مقالات

إيران ما بعد بعد طالبان!

 حسن فحص

ما من شك ان التطورات التي شهدتها الساحة الافغانية، وعودة حركة طالبان للسيطرة على السلطة، في العاصمة كابل على حساب الحكومة المنتخبة، وقلبها التقدم الذي احرزته عناصر هذه القوات في الاستيلاء، على الولايات والمحافظات الافغانية خصوصا المحافظات الجنوبية، شكلت تحديا لايران، التي لم تكن تتوقع كغيرها من الدول المعنية بالأزمة الافغانية، خصوصا الولايات المتحدة الامريكية هذه الانهيارات السريعة، وان يجعل الرئيس محمد اشرف غني في مغادرة البلاد، من دون الاتفاق مع القوى السياسية الافغانية، وحتى مع طالبان، على وضع آليات لما بعد تنتحيه والمرحلة الانتقالية.

طهران التي حاولت استيعاب القرار الامريكي، بالتحديد موعد الانسحاب التام والكامل لقواتها، ،وقوات حلف الناتو من افغانستان في 11 من ايلول/ سبتمبر المقبل، باللجوء الى حراك سياسي نشط بموازاة الحوار الامريكي الطالباني، من خلال فتح مسارات حوارية موازية، بين الحكومة وطالبان والقوى االسياسية  الافغانية الاخرى، ولم تكن اجتماعات طهران الاخيرة التي استضافتها الخارجية الايرانية، وترأسها محمد جواد ظريف كوزير للخارجية، سوى محطة من مسار طويل، بدأ بموازاة اللقاءات التي استضافتها العاصمة القطرية الدوحة، بين الملا برادر المسؤول السياسي لطالبان، والسفير الامريكي زلماي خليل زاد، وانتهت بالتوقيع على اتفاق الانسحاب بين الادارة الامريكية، والامارة الاسلامية الافغانية بقيادة طالبان”، التي لا تعترف بها واشنطن رسميا” في 20 شباط فبراير2020.

وهي جهود حاولت طهران الدفع، باتجاه اشراك الحكومة الافغانية كطرف رئيس في هذه الحوارات.

 الانهيارات الدارماتيكية، وسيطرة طالبان على كابل وانتشار عناصرها على الحدود الافغانية، وتحديدا مع ايران، رفع منسوب القلق داخل ايران، من امكانية ان انفلات الامور، والدخول في مواجهات مع طالبان في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة، في ظل الصراع المفتوح بينها وبين واشنطن، خصوصا في ظل الجمود الحاصل على خط المفاوضات النووية، وامكانية ان تستغل واشنطن اي تطور امني، لاضعاف موقف الفريق الايراني المفاوض، وفرض شروط جديدة عليه، او اجباره على القبول بما قدم له على طاولة التفاوض، فيما يتعلق برفع العقوبات واعادة احياء الاتفاق النووي.

الموقف الذي تبنته مؤسسات النظام، خصوصا مؤسسة حرس الثورة الاسلامية، الذراع العسكري والامني والاستراتيجي للنظام، والمسؤولة عن الساحة الافغانية، عبر قسم افغانستان في قوة القدس، سبق ان تولى مسؤولية هذا القسم، القائد الحالي لهذه القوة الجنرال اسماعيل قاآني، ومازال مشرفا عليه بعد توليه القيادة خلفا للجنرال قاسم سليماني،  كشف عن تحول منهجي وعقائدي، في تعامل النظام مع حركة طالبان، التي كان يصنفها كجزء من الحركات المتطرفة والتكفيرية، الى جانب تنظيمي القاعدة وداعش واخواتهما، بما اوحى بان النظام سياسته تجاه طالبان، تقوم على الفصل بين ماضي هذه الحركة وحاضرها، بما يشبه تلميع صورتها امام الرأي العام الايراني، لتمرير وتسويغ قرار التعامل الايجابي معها في هذه المرحلة.

سياسة الاحتواء التي لجأت اليها طهران، في التعامل مع الحدث الافغاني وعودة طالبان الى السلطة، حاولت توظيفه باتجاهين؛ الاول بوصف ما حدث هزيمة للمشروع الامريكي في هذا البلد، والذي سينعكس على المشاريع الامريكية في كل منطقة غرب آسيا، وتحديدا في الساحات التي تشكل مناطق اشتباك بين طهران وواشنطن، اي العراق وسوريا.

وان هذا الانسحاب يمكن اعتباره هزيمة لواشنطن، ستجربها على اعادة النظر في وجودها في الشرق الاوسط، وتسريع عملية انسحابها من العراق وسوريا، وهو انسحاب تراه طهران بات قريبا، وتحديدا من سوريا بعد توقيع الاتفاق مع الحكومة العراقية، على انهاء وجودها القتالي في هذا البلد نهاية العام الحالي.

  ثانيا، باعتبار ان السياسة الايرانية في التعامل مع التطورات الداخلية الافغانية، هو تعامل منطقي، يأخذ بعين الاعتبار الابعاد السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية، بما يساعد في العمل على تحقيق ما تسعى له، من عودة الامن والاستقرار الى هذا البلد، من خلال فتح قنوات الحوار مع جميع الاطراف والجماعات الافغانية في الداخل، بما فيها حركة طالبان، وما تبقى من قيادات سياسية سواء من الحكومة المنحلة، او الاحزاب والشخصيات السياسية الفاعلة ( زعيم الحزب الاسلامي قلب الدين حكمتيار والرئيس السابق حامد كرزي، ونائب الرئيس عبدلله عبدالله).

 والدفع باتجاه تشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة الجميع.  وفي هذا الاطار، فان المحرك الاساس، الذي يحكم التعامل الايراني مع التطورات الافغانية، وعودة حركة طالبان الى الواجهة، والواقع الذي فرضته كطرف مقرر في مستقبل هذا البلد السياسي، هو “المصالح والامن القومي”، بما يضمن ثلاث نقاط اساسية في الرؤية الايرانية للتعامل مع المستجد الافغاني، وتشكل الهواجس المباشرة للنظام الايراني، الذي يسعى للحصول على اجابات واضحة وثابتة من حركة طالبان، وتتعلق بمسائل:  امن الحدود، وعدم السماح للجماعات المطرفة في تشكل تهديد للداخل الايراني، فضلا عن ضرورة التعاون في موضوع مكافحة تهريب المخدرات البشر، خصوصا وان الحدود المشتركة بين البلدين، تصل الى نحو 900 كيلومتر، وبحاجة الى تعاون ثنائي وجدي لضبطها.  استمرار التعاون الاقتصادي، انطلاقا من ان افغانستان تشكل سوقا مهمة للبضائع الايرانية، تتجاوز قيمتها 4 مليار دولار سنويا، باعتبار ان ايران، تعتبر الشريك الاقتصادي الثاني لافغانستان خلال السنوات الماضية. وما تسعى له طهران، هو الحفاظ على هذه المصالح الاقتصادية، خصوصا في ظل الاوضاع التي تمر فيها نتيجة العقوبات الامريكية، والتأخير الحاصل في مفاوضات جنيف، لاعادة احياء الاتفاق النووي وانهاء العقوبات.

 ما تسعى له طهران هو الحفاظ على هذه المصالح الاقتصادية خصوصا في ظل الاوضاع التي تمر فيها نتيجة العقوبات الامريكية التزام طالبان بعدم التعرض لامن وسلامة وحرية الجماعات الشيعية داخل افغانستان، خصوصا وان الذاكرة الايرانية والشيعية الافغانية، مازالت تتخوف من تكرار تجربة عام 1998 في مزار شريف، وما ارتكبته هذه الجماعة ضد الشيعة في مزار شريف وقتل الدبلوماسيين الايرانيين.

والمواقف التي صدرت عن مقربين من النظام ومؤسساته، ونشرت مؤسسة الاذاعة والتلفزيون الرسمية، والخاضعة لاشراف المرشد الاعلى مباشرة، والتي دعت الشيعة في افغانستان، لعدم اعلان القتال ضد طالبان، وان اي معركة قد تحدث مع ابناء قومية الهزارة، لا يمكن وصفها او اعتبارها حربا مذهبية ودينية، بل ستكون في سياق الصراعات بين القوميات الافغانية، هذه المواقف تشكل مؤشرا، على وجود تفاهم غير معلن بين طهران وطالبان، على توفير الامن وحرية الشعائر الدينية للجماعة الشيعية في هذا البلد، وقد برز ذلك من خلال التعامل الذي مارسته هذه الحركة، مع مظاهر احياء الشيعة الافغان لمراسم عاشوراء.

 القيادة الايرانية تتمسك برفض اي اتهام لها بمراعاة هذه الجماعة والتعامل معها وعلى الرغم من المواقف الايرانية، التي يمكن وصفها بـ”الحياد الايجابي” من حركة طالبان وما قامت به، فان القيادة الايرانية تتمسك برفض اي اتهام لها، بمراعاة هذه الجماعة والتعامل معها، ووصف ذلك بانه يفتقر الى المنطق السليم في فهم الموقف الايراني.

الا انها في المقابل تحاول توجيه التهمة للادارة الامريكية، في توفير الشرعية لهذه الجماعة، من خلال الحوار الذي اجرته معها في الدوحة بعيدا عن الحكومة الافغانية. لذلك ترى ان ما قامت به من تصرفات، في تعاملها مع المتغير الافغاني والتعامل مع طالبان، يصب في اطار المحافظة على مصالحها الاستراتيجية، والدفاع عن امنها القومي ومصالح الوطنية، واستعياب الكرة اللهب، التي حاولت واشنطن رميها في حضنها، وخلق ساحة جديدة لارباكها والهائها وتوريطها في ازمات جديدة. وهو ما دفعها التعامل مع هذه الازمة بنظرة شمولية، تأخذ بعين الاعتبار كل الابعاد الممكنة والمحتملة، من اجل الحفاظ على امنها القومي في هذه الظروف الصعبة والمعقدة.

جنوبية

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى