إيران ستنتقم لموت سليماني من إسرائيل في عام 2041
سوسن مهنا
منذ اليوم الأول لمقتل قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، في 3 يناير (كانون الثاني) 2020، توعدت إيران “بانتقام قاسٍ”، على لسان المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، من منزل سليماني. وتصاعدت نبرة التهديدات يومياً، في دليل على مستوى الضرر والأذى الذي أصاب إيران نتيجة الضربة الأميركية، التي نتج عنها مقتل “رجل إيران القوي” سليماني. ولم تهدأ مشاهد الهتافات في شوارع طهران والمدن الإيرانية، المستمرة منذ أربعة عقود، والمنادية بـ”الموت لأميركا”، الأمر الذي دفع مراكز أبحاث وكتاباً وسياسيين إلى تخيل “مشهد الانتقام” الذي ستقوم به إيران، والخيارات المتاحة أمامها.
بالفعل، أمام إيران، الخاضعة للحصار الأميركي، خيارات عديدة للرد على الضربة الكبرى، إما عبر وكلائها في المنطقة، وإما باستغلال الوضع في حرب قد تكون بالوكالة، كما جرت العادة، لكن نبرة التهديد في الخطاب السياسي بقيت ضمن السياسة والدبلوماسية، خصوصاً أن مقتل سليماني تبعه اغتيال العالم النووي، محسن فخري زادة (العقل النووي الإيراني)، وكان المتهم الأول إسرائيل، حسب مسؤولين إيرانيين، إذ عد كثير من الباحثين مقتل زادة ذريعة للتملص من الاتفاق النووي، وهذا ما أثبتته الأحداث لاحقاً، بعد تصويت مجلس الشورى الإيراني في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي لصالح إلزام الحكومة برفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20 في المئة.
الموت لإسرائيل لكن عام 2041
في هذا الإطار، قدم نواب في البرلمان الإيراني، في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، مشروع قانون ملزماً أمام البرلمان، يحدد “موعداً نهائياً للقضاء على إسرائيل”. وقالت وسائل إعلام إيرانية، إن “مشروع القانون يلزم الحكومات المتعاقبة بالقضاء على إسرائيل خلال عشرين عاماً، والعمل على إخراج القوات الأميركية من المنطقة”، محدداً “شروط التفاوض مع واشنطن، بحيث يحظر إجراء أي مفاوضات حول القوة العسكرية الإيرانية أو الطموحات الإقليمية، و”دعم حلفاء طهران”.
وتمحور القانون الذي سيصوت عليه لاحقاً، حول إرشادات المرشد الأعلى خامنئي، التي كان قد أطلقها في 21 يوليو (تموز) 2020 للانتقام لمقتل سليماني، ويشمل 16 مادة، ويحدد أربعة أهداف رئيسة، هي “الثأر الشديد والحاسم” من خلال إضعاف الولايات المتحدة، وطردها من المنطقة، والتصدي لأفعال إسرائيل والمضي قدماً في تحقيق هدف سليماني المتمثل بتدميرها، ومواجهة “الإرهاب” الاقتصادي الذي تمارسه الولايات المتحدة ضد إيران، واعتماد سياسة خارجية “مشرفة” (بمعنى التحدي).
كما وردت مواد في شأن “كسر الحصار عن غزة”، و”تقديم الخدمات والبنية التحتية لدعم مسيرة عودة اللاجئين الفلسطينيين” كمقدمات لترتيبات تدمير إسرائيل، بحسب نص المشروع. وكانت وسائل إعلام إيرانية قد كشفت عن أن البرلمان الإيراني أقر مشروع قرار ينص على زيادة ميزانية “فيلق القدس” من أموال الصادرات الإيرانية إلى العراق بهدف الثأر لسليماني، كما ينص القرار الذي سمي “الإجراء المضاد إزاء اغتيال قاسم سليماني”، على تخصيص واحد في المئة من عائدات التصدير إلى العراق لفيلق القدس لتمكينه من استخدام هذه الميزانية لدفع مكافأة لمن يعملون على إخراج الولايات المتحدة من المنطقة أو محاسبة منفذي اغتيال قاسم سليماني. وينص قرار البرلمان الإيراني أيضاً على تخصيص 30 في المئة من إجمالي قيمة الرسوم الجمركية على البضائع الأميركية المستوردة أو العلامات التجارية ذات الصلة بالولايات المتحدة، لأنشطة مثل “مهرجان إحياء ذكرى قاسم سليماني”، و”جائزة المقاومة الدولية”.
يذكر أنه عقب اغتيال سليماني، وافق البرلمان الإيراني على زيادة شهرين في ميزانية فيلق القدس، بمقدار 200 مليون يورو.
مجلس صيانة الدستور
يعد مجلس صيانة الدستور من الهيئات التنظيمية الرئيسة في إيران، ووظيفتها الإشراف على عمل مجلس الشورى الإسلامي. ويجب لجميع قوانين البرلمان في إيران أن تحصل على موافقة هذا المجلس قبل اعتمادها. كما يعد هذا المجلس من المؤسسات الحكومية الأكثر أهمية وضماناً لشرعية وإسلامية النظام الإسلامي، وتشبه المؤسسة بعض المؤسسات الضامنة للدستور في عدد من البلدان، ففي دساتير بعض البلدان توجد مؤسسات تسمى “المحكمة الدستورية”، أو “المجلس الدستوري”، أو ما شابه ذلك. وعلى الرغم من بعض الاختلافات، من حيث الهيكل والمسؤولية، فإن لديها كثيراً من أوجه التشابه مع بعضها البعض.
وإذا تم تمرير القانون الجديد، فسيحظى ضمنياً بدعم كامل من المرشد الأعلى، وبالتالي سيضطر فريق الرئيس حسن روحاني والحكومات المستقبلية إلى التقيد به، وقد تنشئ الذراع التنفيذية مجالاً للمناورة من خلال صياغة أنظمة مختلفة لتحديد كيفية تطبيق القانون فعلياً، لكن “المجلس” قد يتدخل في أي مرحلة لعكس أي تغييرات غير مرغوب بها.
يقول فرزين نديمي، المحلل المتخصص في الشؤون الأمنية والدفاعية المتعلقة بإيران ومنطقة الخليج في تقرير لـ”معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”، بعنوان “مشروع قانون جديد يهدف إلى إضفاء الطابع الرسمي على سياسة الانتقام لسليماني وتدمير إسرائيل”، نشر بتاريخ 13 يناير الحالي، من المتوقع أن يتم تمرير مشروع القانون الجديد بأكمله في “المجلس” والمصادقة عليه من قبل “مجلس صيانة الدستور”، ويعد مشروع القانون الجديد مثالاً جيداً على نوايا إيران الإرهابية، والمناهضة للولايات المتحدة، والمعادية لإسرائيل. وعلى الرغم من أن التشريع لا يشير إلى أي جديد في شأن أنشطة الحكومة أو أهدافها، فإنه يثبت ويكرس رسمياً توجه سياسة طهران العدائية بعبارات واضحة لا يمكن إنكارها. ومن ثم، يجب محاسبة النظام على مضمون مشروع القانون إذا ما أصبح قانوناً. وفيما يتعلق بالعراق، يجب أن تذكر الولايات المتحدة شركاءها المحليين، وفقاً للتشريعات الإيرانية، بأن أي أموال تجنيها طهران من التجارة مع الدول المجاورة ستمول جزئياً المساعي الرامية إلى قتل الأميركيين.
لماذا تحتاج إيران إلى الانتقام من إسرائيل؟
تقول داليا داسا كاي، المديرة السابقة لمركز السياسة العامة للشرق الأوسط في مؤسسة (RAND)، وهي مؤسسة بحثية أميركية غير ربحية للسياسات العالمية)، في بحث لها صدر عام 2016، بعنوان “سياسات إسرائيل في شأن إيران بعد الاتفاق النووي”: “برز دور إسرائيل في طليعة الأدوار الموجودة بالمنطقة في السعي إلى فضح ومنع قدرة إيران على تطوير أسلحة نووية. ولطالما أوضحت إسرائيل موقفها من خلال التهديدات باستخدام القوة العسكرية، ودعم فرض مزيد من العقوبات الدولية، وعمليات التخريب والاغتيالات المزعومة لعلماء نوويين إيرانيين، بأنها لن توافق على أن تكون إيران مسلحة نووياً”.
وصرح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بوضوح بأنه يعتبر أن إيران تشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل. ومع أن صانعي القرارات الإسرائيليين لا يعتبرون كلهم أن إيران تشكل تهديداً وجودياً، فإن معظمهم يرى أن إيران القادرة نووياً تشكل تحدياً غير مقبول لإسرائيل وللاستقرار الإقليمي. وفي بعض الأحيان، اختلفت مقاربات قادة الأمن والمحللين الإسرائيليين في شأن مواجهة إيران، لا سيما بخصوص معالجة نتنياهو للعلاقة الأميركية، بالإضافة إلى استحسان خيار عسكري. وعلى الرغم من هذه الاختلافات تتحد مؤسسات إسرائيل السياسية والأمنية بشكل واسع في معارضتها للطموحات النووية الإيرانية وتتشاطر تقييمات مشابهة في شأن الأمور التي تتصور أنها نوايا إيرانية خبيثة إزاء الدولة اليهودية ونشاطاتها الإقليمية المزعزعة للاستقرار.
معضلة إيران وخياراتها
منذ بداية ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، لم تكن الأمور على ما يرام بين البلدين، وسبق أن استخدم علي خامنئي وترمب مرات عديدة وخلال عدة أزمات لغة التهديد والوعيد، لكن لم تكن هناك جدية لخيارات الحرب الشاملة.
مع هذا، يصف منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط والخليج في إدارة باراك أوباما، فيليب جوردون، عملية مقتل سليماني بأنها “إعلان حرب” على إيران من جانب الأميركيين، وتتمثل معضلة طهران بأنها لا تستطيع الدعوة إلى ضبط النفس، وإلا عدت ضعيفة بين الوكلاء.
وفي هذا الإطار يرى كريم سجادبور، الباحث في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أن طهران ستلجأ إلى وكلائها للانتقام. وقال في تغريدة له على موقع “تويتر”، إن “الاستجابة الضعيفة تخاطر بفقدان ماء الوجه، والاستجابة المفرطة في القوة تخاطر بفقدان رأسه. خامنئي هو الخصم الدولي الأكثر أهمية بالنسبة لترمب في عام 2020″، لذا توقع كثيرون انتقاماً إيرانياً، ولكن عبر أذرعها في المنطقة، وبخاصة بعد تصريح رئيس البرلمان الإيراني، علي لاريجاني، عقب اغتيال سليماني “على ترمب أن يعلم أن حياة كل الأميركيين في المنطقة باتت في خطر شديد”.
يقول مدير الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) السابق، شابتاي شافيت، لصحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية بتاريخ 6 يناير الحالي، إن “صبر الإيرانيين سيستمر”. ويضيف أن “مقتل سليماني في يناير 2020، إلى جانب اغتيال رئيس البرنامج النووي العسكري الإيراني محسن زادة في نوفمبر، كان بمثابة ضربة مزدوجة لنشاط إيران العسكري في الشرق الأوسط، ولم تتعافَ منها”.
ويؤكد في النهاية أن طهران ستجد لحظة للانتقام لمقتل سليماني، لكن بحسب الباحث سجادبور، فإن ما سيحدث “على الأرجح هو هجمات مستمرة بالوكالة ضد المصالح الأميركية وحلفاء واشنطن على المستوى الإقليمي، وحتى العالمي. لإيران باع طويل في هذه الهجمات في أوروبا وأفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، بدرجات متفاوتة من النجاح”.
ومعلوم أن إيران تجيد استخدام سياسة النفس الطويل، وتستطيع أن توحي لوكلائها بالرد، وهذا ما حدث عام 1994، حيث قاد أحد أعضاء “حزب الله” شاحنة محملة بالمتفجرات إلى مبنى جمعية المساعدة اليهودية الأرجنتينية، ما تسبب في مقتل 85 شخصاً، وتلقي الأرجنتين باللوم على إيران و”حزب الله” في الهجوم، وهو ما ينفيانه. كما تلقي الأرجنتين باللوم على “الحزب” في الهجوم على السفارة الإسرائيلية في بوينس أيرس عام 1992، الذي أدى إلى مقتل 29 شخصاً. ويقول مسؤولون أميركيون وأرجنتينيون، إن “حزب الله” ينشط فيما يعرف بمنطقة الحدود الثلاثية (Tri Border)، سيئة السمعة، وشبه الخارجة عن القانون، بين الأرجنتين والبرازيل وباراغواي، حيث يمول عملياته عبر اقتصاد غير مشروع، بما في ذلك تجارة المخدرات وغسل الأموال والتهريب غير المشروع.
جدية التهديدات
تتباهى إيران بأنها تمتلك صواريخ دقيقة التوجيه وصواريخ كروز وطائرات مسيرة مسلحة قادرة على ضرب القواعد العسكرية الأميركية في الخليج، والوصول إلى إسرائيل، ويمكن لصواريخ شهاب الباليستية، محلية الصنع في إيران، التي يصل مداها إلى 2000 كيلو متر، حمل عدد من الرؤوس الحربية، لكن لم تقدم إيران أبداً على مهاجمة إسرائيل مباشرة، علماً بأن الأخيرة تتعمد استفزازها عبر توجيه ضربات لسوريا من الأراضي اللبنانية، وقامت بتدمير أنفاق تابعة لـ”حزب الله” في الجنوب، دون رد فعل من قبله، ما عده البعض “إهانة”. هذا الأمر سخر منه ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي كما في صحف ومواقع إسرائيلية. فمن إسقاط الطائرة المدنية الأوكرانية في 8 يناير 2020، التي أصيبت بصواريخ مضادة للطائرات تابعة للحرس الثوري عن طريق الخطأ، ما أسفر عن مقتل 176 شخصاً على متنها، إلى ظاهرة التهديدات الصوتية بالانتقام لمقتل عالمها النووي محسن زادة وقاسم سليماني من قبل إسرائيل وأميركا، وأخيراً مشروع القانون الذي سيقضي على إسرائيل بعد عشرين عاماً، أو أكثر، كل ذلك دفع ناشطين إلى القول “يعني خلال عشرين سنة ستكون إيران دمرت كل الدولة العربية. وعميت عن إسرائيل”، ومنهم من تساءل: هل عام القضاء على إسرائيل عام 2041 ميلادياً أم هجرياً؟
نقلا عن “اندبندنت عربية”