إيران بين الفراغ الأميركي والدرس الأفغاني!
حسن فحص
لا شك ان ما تعرضت له ادارة الرئيس الامريكي جو بايدن من انتقادات واسعة، سواء من الداخل الامريكي، او من الحلفاء في العالم، بعد قرارها تنفيذ الاتفاق الذي وقعه سلفه دونالد ترمب، في فبراير/شباط 2020 مع حركة طالبان الافغانية في العاصمة القطرية الدوحة، لجهة الاتفاق الذي تستبعد فيه شبهة التواطؤ بين جميع هذه الاوساط، من حلفاء وخصوم، على توصيف آلية الانسحاب بانها “مذلة” او بمثابة “الهزيمة” للجيش والادارة الامريكيتين، بعد عشرين سنة من الاحتلال والتحكم بادارة هذه البلاد. ولعل النظام الايراني كان ويعتبر، في المباشر، من اكثر المرحبين بهذه الانسحاب، بغض النظر عن آلياته وتوصيفاته، لانه يصب في اطار تحقيق مرحلة من مراحل الاستراتيجية التي وضعها المرشد الاعلى بعد الخامس من يناير/ كانون الثاني 2020، في العمل على اخراج القوات الامريكية من منطقة غرب آسيا، وتحديدا من افغانستان والعراق وسوريا.
تحقيق هذه المرحلة سيمنح ايران والنظام، التعامل مع تداعياتها بعيدة الاجل، وما يمكن ان يتركه الفراغ الامريكي من تطورات قد تشكل ارباكاً وتهديدا لاستقرار منطقة آسيا الوسطى وامتداداتها، وهي تداعيات لن تكون ايران المعني الوحيد بها، لان الآثار السلبية لهذا الانسحاب، ستطال اطرافاً يعتبرون حلفاء استراتيجيين لها ومعنيين بهذه التطورات، كروسيا والصين، ما قد يفرض تقاسم الاعباء بينهم. النظام الايراني وقرار الدولة العميقة، التي كانت تراقب المشهد الامريكي ومؤشرات الانسحاب، وما يمكن ان يؤدي اليه من نتائج، فضلا عن عدم الاستجابة للضغوط الدولية والامريكية الساعية لاعادة احياء الاتفاق النووي، وانهاء المسار التفاوضي في فيينا، بناء على ما تم التوصل اليه من تفاهمات في الجولة السادسة من المفاوضات، قبل الدخول في حالة التعليق التي مازالت مستمرة، قد تكون الاسباب المباشرة التي دفعت الجانب الايراني، للاصرار على تعليق التفاوض مع الخماسية الدولية (4+1) وامريكا بشكل غير مباشر، ما تذرع به من دخول البلاد مرحلة انتقالية ما بين انتهاء ولاية رئيس للجمهورية، وانتظار انتخاب رئيس جديد، وان طهران في الوقت الذي تلتزم فيه باستكمال المسار التفاوضي، الا انها لن تذهب الى تحديد موعد الجولة السابعة للتفاوض، قبل ان يشكل الرئيس الجديد فريقه الدبلوماسي والسياسي، ويطلعوا على تفاصيل ما تم التوصل له في الجولات السابقة، الامر الذي يسمح لهم برسم الاطر الذي سيتعاملون فيها مع هذا الملف. إقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: عبداللهيان والرهان.. على «العودة النووية»! اما في الاسباب غير المباشرة للمماطلة الايرانية بالعودة الى طاولة التفاوض النووي، التي بدأت تتوضح بانها استراتيجية مدروسة، بعد حديث وزير الخارجية الاخير حسين امير عبداللهيان، عن مدة شهرين لاستكمال الفريق المفاوض تحديد سياساته ورؤيته التفاوضية، فهي تقوم بشكل اساس، على محاولة توظيف نتائج الانسحاب الامريكي من افغانستان، لتحقيق المزيد من المكاسب من الادارة الامريكية، اي اتباع سياسة استغلال الارباك لتحسين الشروط، وفرض عودة امريكية كاملة ومن دون شروط، او انتقاص للاتفاق النووي وانهاء ملف العقوبات الاقتصادية، وغيرها من عقوبات بشكل نهائي، مع ضمانات تلتزم الدولة الامريكية، على تكرار ما قام به الرئيس السابق ترمب بالانسحاب من الاتفاق، او استخدام سلاح العقوبات في المستقبل. وفي هذا السياق يحاول الرئيس الجديد ومعه وزير خارجيته، اعتماد سياسة “الغموض البناء”، من خلال التأكيد على التزام حكومته بالاتفاق النووي والعودة الى طاولة المفاوضات، الا انها في الوقت نفسه لا تقدم اي مؤشرات جدية، على نيتها في ترجمة هذه المواقف على ارض الواقع، او تحولها الى خطوات عملية. وتفضل التعامل مع الرسائل الامريكية، حول الدعوة لاستنئناف التفاوض ببرودة عالية، وعدم اعطاء الهاجس التفاوضي الاولوية، على سلم اهتمامات الادارة الجديدة. في مقابل الحديث عن ضرورة اعادة التوازن في السياسات الخارجية الايرانية، والابتعاد عن ربط المسارات الدبلوماسية والعلاقة مع الدول الاخرى، سواء دول الجوار العربي والاقليمي، او الدول التي تشكل عمقا استراتيجيا بمسار المفاوضات النووية، وما قد ينتج عنها من تفاهمات مع الجانب الامريكي، مستفيدة من الخطأ الذي وقعت فيه حكومة الرئيس السابق حسن روحاني، الذي حوّل المفاوضات النووية الى محور الاهتمام الوحيد للدبلوماسية والسياسة الخارجية لايران. ما يعني ان المفاوضات النووية المتوقع استئنافها مع واشنطن، لن تكون مشابهة لما كانت عليه في السابق. رئيسي الذي اكد ان احد الاهتمامات الاساسية لحكومته، سيكون الغاء العقوبات الامريكية عن بلاده، لم يفصح حينها، عن الاليات التي سيتبعها لتحقيق هذا الهدف، من خارج طاولة التفاوض، يبدو ان هذه الالية لدى هذه الحكومة بدأت بالاتضاح، بالتقليل من محورية هذا الملف في الاهتمامات الايرانية، مع الاستمرار في الخطوات التي بدأتها في تطوير هذا البرنامج، تحت سقف التزاماتها بمعاهدة الحدّ من انتشار اسلحة الدمار الشامل، والاستعداد للعودة الى الالتزام بما جاء في الاتفاق النووي، في الوقت الذي تقرر فيه واشنطن العودة الى الاتفاق من دون شروط مسبقة، او اي حديث عن اتفاقيات جديدة باسم جنيف 2 صاروخي وجنيف 3 اقليمي.
قد تكون ايران تشعر في هذه الايام بفائض القوة، نتيجة تداعيات الخطوة الامريكية في افغانستان، وستسعى لترجمته في سياساتها الخارجية، والتعامل مع الملفات الاقليمية والدولية، وستسعى لاستغلال ما تعتبره، حاجة امريكية لمعالجة مناطق التوتر ومصادره في المنطقة، تحضيرا لتقليص حضورها وانخراطها المباشر في ازمات الشرق الاوسط، فهل ستجري الرياح الامريكي بما تشتهي السفن الايرانية؟ سؤال قد تجيب عليه السرعة الامريكية، في استيعاب تداعيات الحدث الافغاني، واعادة ترميم ما تصدع من حالة الردع الامريكية!
جنوبية