أهم الأخبارمقالات

إيران بين “الجوادين” وثنائية النووي والإنترنت

 

حسن فحص

متابعة الأجواء التي رافقت الحملة التي خاضها مرشح القوى الإصلاحية والمعتدلة مسعود بزشكيان في سباق انتخابات الرئاسة الإيرانية تكشف بوضوح عن الدور المحوري والأساس الذي قام به محمد جواد ظريف وجواد آذري جهرمي، وزيرا الخارجية والاتصالات السابقان في حكومة الرئيس حسن روحاني، وكيف استطاعا قلب الموازين لمصلحة بزشكيان خلال الأيام الأخيرة قبل يوم الاقتراع الحاسم في المرحلة الثانية للانتخابات، وأن يسهما بصورة فاعلة في خروج اسم بزشكيان من صندوق الاقتراع على حساب مرشح القوى المتشددة سعيد جليلي.

ثقة عالية من المرشح الرئاسي وفهم دقيق لحساسيات المجتمع الإيراني شكلا العاملين الأساسيين في دفع هذين الوزيرين إلى الاضطلاع بهذا الدور المحوري والمفصلي في السباق الانتخابي، وأن يكون لهما الثقل الحاسم في تحديد نتيجة الانتخابات، من خلال لعبة توزيع الأدوار ودقة توظيفها في التعامل ومخاطبة الناخب الإيراني.

استطاع جواد ظريف توظيف حال التململ الاجتماعية الواسعة والكبيرة نتيجة تراكم الأزمات الاقتصادية والآثار السلبية للعقوبات الخارجية التي تفاقمت بسبب عرقلة التيار المحافظ المتشدد الذي يقوده المرشح الغريم سعيد جليلي لكل جهود ومحاولات إعادة إحياء الاتفاق النووي، بالتالي الخروج مجدداً من ضغوط العقوبات المالية والاقتصادية.

أما الجواد الثاني آذري جهرمي، فامتطى صهوة أحد أهم مطالب جيل الشباب والشريحة المستفيدة من التقنيات الحديثة وتكنولوجيا الشبكة العنكبوتية في تطوير اقتصادات موازية ساعدت بدورها في التخفيف من الآثار السلبية للأزمات الاقتصادية، فضلاً عن حاجة شرائح أخرى لكسر الحصرية أو الأحادية الإعلامية التي يمارسها النظام والتي عانت كثيراً سياسات الحظر والمحاصرة، إلى جانب الجهود التي كان يبذلها التيار المتشدد لتأطيرها قانونياً من خلال دفع البرلمان إلى إصدار قانون لمراقبة الفضاء المجازي وشبكات التواصل الاجتماعي.

أزمة الرقابة على الاتصالات والإنترنت وما فيها من حرمان الإيرانيين من الإمكانات العملية والتجارية والاقتصادية التي توفرها حرية الاتصال بالشبكة العنكبوتية، فضلاً عن وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، قامت بدور محوري في الحملة الانتخابية للمرشح المحسوب على القوى الإصلاحية.

إلا أن تطبيق الوعود التي قدمها في هذا الإطار والعمل على إلغاء سياسة الرقابة، قد لا يكون سهلاً أو يسيراً على بزشكيان والفريق الذي سيكلفه هذه المهمة، وهنا تذهب الترجيحات إلى أن يكون أحد “الجوادين” وزير الاتصالات السابق آذري جهرمي هو المرشح لتولي هذه المهمة.

وصعوبتها تكمن في طبيعة المعركة القانونية التي سيخوضها مع الغالبية المحافظة التي تسيطر على البرلمان وتسعى إلى فرض مزيد من الرقابة، بالتالي العمل على عرقلة عمل الحكومة الجديدة التي تعتبرها هذه الغالبية مغايرة لها وتحمل خطاباً ومشروعاً معارضاً لرؤيتها المتشددة ولا تمثل أو تنتمي إلى تيارها الفكري والأيديولوجي، على رغم تأكيد رئيس البرلمان الخاسر في السباق الرئاسي محمد باقر قاليباف استعداده للتعاون مع الحكومة ومساعدتها في تطبيق سياساتها.

وإضافة إلى استخدام عامل الرقابة وسياسة الانغلاق التي مارسها ويمارسها ويسعى إلى فرضها المعسكر المنافس، فإن بزشكيان ومن بوابة الأزمات الاقتصادية الناتجة من العقوبات الدولية، استطاع الدفع بسياسة الانفتاح على المجتمع الدولي إلى اعلى مستوياتها بكثير من الجرأة والكلام غير المسبوق الذي لم يتجرأ أي من المسؤولين على قوله خلال الأعوام الماضية، بخاصة في تحميل الجماعات المتشددة ممثلة بمرشحها سعيد جليلي المسؤولية المباشرة عن عرقلة كل جهود الحوار والتفاوض، وحتى ترميم الأوضاع الاقتصادية.

وفي هذا السياق شكّل الفريق التفاوضي الذي قاده الوزير جواد ظريف رأس الحربة التي استخدمها بزشكيان في تعرية خطاب الفريق الخصم الذي يسيطر على مفاصل القرار من خلف الكواليس أو حكومة الظل، مما فتح الطريق أمامه لوضع استراتيجية واضحة على مستوى الأهداف التي يعمل من أجلها في ما يتعلق بالسياسات الخارجية، وفي مقدمتها العودة للتفاوض بغية إعادة إحياء الاتفاق النووي وإلغاء العقوبات الاقتصادية والانضمام إلى معاهدتي “باليرمو” و”FATF” لمحاربة تبييض الأموال وتمويل الجماعات الإرهابية التي باتت تشكل عائقاً أمام قدرة إيران في الحصول على عائداتها المالية من قطاع الطاقة والتجارة الدولية تصديراً واستيراداً.

السقف المرتفع الذي رسمه بزشكيان وفريقه للسياسات الخارجية والتفاوضية، بخاصة ما يتعلق بالاتفاق النووي والعقوبات، يعني أن هذا الفريق يدرك جيداً أن الوصول إلى نتائج إيجابية لا بد من أن يمر عبر التفاوض المباشر بين إيران والولايات المتحدة الأميركية.

لذلك فإن المرحلة المقبلة قد تشهد تخلياً إيرانياً عن آلية التفاوض التي فرضها المعسكر المتشدد على السياسة التفاوضية للجانب الإيراني، والانتقال إلى سياسة في التفاوض المباشر تضمن الوصول إلى نتائج أسرع وأكثر وضوحاً وأكثر رسوخاً، وإن التغيير في الإدارة الأميركية لن يشكل حائلاً أمام اعتماد هذا التوجه، ما دام أن الجانب الإيراني سيعمل تحت سقف تأمين المصالح الإيرانية، سواء على المستوى الاقتصادي والنووي والعقوبات، أو على مستوى الموقع والدور الإقليمي لإيران في إطار التسويات الكبرى التي قد تشهدها المنطقة خلال المرحلة المقبلة.

سعى الرئيس المنتخب وفريقه السياسي إلى تأكيد أن الهدف من الانفتاح على العالم وعدم وجود عداء مطلق مع أي طرف أو جهة هو تحقيق توازن في علاقات إيران الخارجية سياسياً واقتصادياً، وعدم السماح لأي طرف بتحويل العقوبات الدولية إلى مدخل لفرض شروطه على إيران وربط علاقاتها الخارجية وانفتاحها على المحيط والخارج بمصالحه الخاصة والاستراتيجية.

ومع هذه الإشارات الواضحة المرتبطة بالرؤية المستقبلية للدولة الإيرانية مع الرئيس الجديد، فإنها شكلت مصادر قلق لدى حلفاء طهران في المعسكر الشرقي، تحديداً روسيا والصين، مما دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى التأكيد أن موسكو على استعداد للتوقيع النهائي على ورقة التفاهم الاستراتيجي بين البلدين وتحويلها إلى اتفاق تنفيذي في أقرب فرصة ممكنة.

في المقابل، فإن المرشد الأعلى للنظام الذي قد لا يعارض سياسة الانفتاح على الغرب وإمكان الحوار المباشر مع الولايات المتحدة، كان حريصاً جداً على طمأنة شريكه الروسي من خلال الرسالة الشفوية التي حملها المكلف بالرئاسة محمد مخبر إلى بوتن على هامش قمة شنغهاي الأخيرة والتي أكد فيها عمق العلاقات الاستراتيجية التي تربط

بين البلدين، وأن سياسة إيران تجاه موسكو ثابتة ولن تتأثر بأي تغيير يحصل في رئاسة الجمهورية والسلطة التنفيذية، مما يعني أن الهامش الذي قد يمنحه المرشد للرئيس الجديد والفريق الذي سيتولى قيادة الإدارة الدبلوماسية تحت إشراف الوزير السابق جواد ظريف سيكون محكوماً بالتوازن، أي بين العمل على تأمين أهداف التحالفات الاستراتيجية للنظام وبين ضرورات وقف التداعيات السلبية لتوتر العلاقات مع الغرب والتخلص من أعباء العقوبات الاقتصادية والسياسية، مما يسمح بإعادة تصويب كل العلاقات الإيرانية مع محيطها الجغرافي والجيوسياسي.

نقلا عن اندبندنت عربية

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى