هل أصبحت أوروبا أقوى أمام إيران؟
يمكن اعتبار الخطوة التي خطاها البرلمان الأوروبي بالتصويت على قرار يدرج فيه “الحرس الثوري” الإيراني على قائمة الجماعات الإرهابية، ودعوة الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات على المرشد علي خامنئي والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وعائلاتهما، بأنها خطوة متقدمة أوروبياً، لا سيما أن تاريخ العلاقات الأوروبية مع إيران منذ الثورة عام 1979 اتسم على الدوام بالميل الأوروبي إلى التعامل بضعف شديد في مقابل تشدد النظام الإيراني الذي لطالما تخطى الخطوط الحمر من الناحية الأمنية مع عدد من الدول الأوروبية. فمن العمليات الإرهابية والاغتيالات، إلى عمليات اختطاف رهائن في العديد من البلدان، وصولاً إلى ممارسة الخطف المعلن في إيران نفسها بحق مواطنين أوروبيين اتُّهموا بالتجسس من أجل مبادلتهم مع عملاء لهم في أوروبا، متهمين بأعمال إرهابية موصوفة.
ولعل أهمية القرار الصادر من البرلمان الأوروبي أنه قوي للغاية نسبة إلى حصوله على 596 صوتاً من أصل 638 نائباً حضروا جلسة البرلمان، ما يشير إلى أن الاتحاد الأوروبي الذي يمثل الحكومات ذات السيادة في بلدانها يصعب أن تتجاهل المسألة التي تحصد تأييداً شعبياً في كل البلدان الأوروبية، على خلفية موجة الاحتجاجات التي اجتاحت إيران منذ قتل “شرطة الأخلاق” الشابة مهسا أميني في السادس عشر من أيلول (سبتمبر) 2022، وقيام النظام الإيراني مستخدماً قوات “الباسيج” التابعة لـ”الحرس الثوري” بممارسة قمع دموي لمواجهة تفشي الاحتجاجات في مئات المدن والبلدات عبر إيران.
وقد أدى القمع حتى الآن إلى مقتل أكثر من 600 محتج، واعتقال حوالي 18000 شخص آخرين، فضلاً عن مباشرة القضاء المستتبع للنظام بالكامل بإصدار أحكام بالإعدام بحق العديد من الشبان المحتجين وتنفيذه بحق أربعة منهم حتى الآن. هذا القرار القوي لا يلزم الحكومات الأوروبية، لكنه يعكس مناخاً شعبياً عابراً للحدود في أوروبا، سيتعين على الحكومات أن تأخذه بعين الاعتبار في ما يتعلق بتنظيم العلاقات مع طهران التي تبتعد يوماً بعد يوم أكثر من الغرب، تارة من تدخلها في حرب أوكرانيا عبر إمداد روسيا بمئات الطائرات المسيّرة المفخخة التي تنهال على المدن الأوكرانية الآهلة بالمدنيين، وطوراً بسبب قضية اضطهاد المرأة الإيرانية وشرائح واسعة من المواطنين الذين ينزلون إلى الشارع للاحتجاج.
وقد يكون ملف المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني الذي توقف قبل أشهر عدة في فيينا جزءاً من المشكلة، وخصوصاً أن الموقف الإيراني من المسألة متصلب إلى حد يشي بعدم رغبة طهران في العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015، على الرغم من أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن فعلت المستحيل لإحياء الاتفاق، وإن على حساب حلفائها في منطقة الشرق الأوسط، وفي مقدمهم إسرائيل والدول العربية الخليجية. ومع ذلك، ماطلت طهران لأكثر من عامين في المفاوضات، فيما لم تتوقف عن مواصلة خروقاتها الكبيرة للالتزامات المنصوص عنها في الاتفاق، قاطعة في الوقت عينه معظم العلاقة مع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” المكلفة أساساً بمتابعة مراقبة تنفيذ إيران التزاماتها، لا سيما بالنسبة لعملية تخصيب اليورانيوم عبر أجهزة الطرد المتطورة التي تضاعف عددها في العامين الماضيين إلى حد بعيد. كل هذا يؤشر إلى أن طهران لا ترغب في العودة إلى الاتفاق، وأنها تعمل بسرعة قصوى من أجل تصنيع قنبلتها النووية الأولى، ثم فرضها كأمر واقع على طاولة مفاوضات قادمة.
في هذه الأثناء، تميز الموقف الأوروبي المعني بالعلاقة مع طهران في عدد من الملفات الرئيسية بالضعف بكل المقاييس الممكنة. فالدول الأوروبية الكبرى، وفي مقدمها فرنسا وألمانيا، مارست سياسات ضعيفة إزاء النظام الإيراني، من الملف النووي إلى الملفات الأمنية على اختلافها. وقد يكون تورط إيران في حرب أوكرانيا على النحو الحاصل اليوم، وقضية موجة الاحتجاجات التي ألهبت الرأي العام العالمي ومنه الأوروبي قد فعلت فعلها، وأدت إلى انهيار العلاقة المميزة السابقة مع طهران التي ازداد الاقتناع في العواصم الأوروبية بأنها قضية خاسرة، وأنها ستبقى مصدراً للأزمات الدائمة مع الغرب عموماً وأوروبا خصوصاً.
إذاً نحن أمام محطة مهمة هي قرار البرلمان الأوروبي الذي يستهدف قلب النظام الإيراني، وهو “الحرس الثوري”. والآن علينا أن ننتظر تفاعلات القرار في العواصم وفي الأوساط الحكومية التي قد تكون لديها حسابات أخرى. لكن من المؤكد أن المناخ في أوروبا مناوئ للغاية للنظام الإيراني الذي لم تتغير طبيعته يوماً، ولن تتغير!
نقلا عن النهار