مقابلات
نهاية دولة الملالي في إيران
الدول الكهنوتية الدينية لا يمكن أن تتماهى مع شروط بقاء الدول في العصر الحديث، وغني عن القول إن إيران التي يحكمها (الولي الفقيه) دولة كهنوتية، يملك الولي الفقيه السلطة فيها مُلكيّة مطلقة ومدى الحياة. والعقد الاجتماعي الذي يحكم العلاقة بين القمة والقاعدة الشعبية يتحكم فيه كلاشينكوفات الحرس الثوري، أي القوة المسلحة التي تسحق دون تردد كل من تمرد عليها غير آبهة بشرط التراضي بين الحاكم والمحكومين؛ والسؤال الذي يفرضه السياق هنا: إذا كانت هذه الدولة لا تتواءم مع العصر الحديث فلماذا لا تسقط؟.. في تقديري أن سقوطها حتمي في النهاية، غير أن زمن السقوط مرتبط بمتغيرات إذا ما توافرت فسوف يتحقق؛ أهمها موت «علي خامنئي» الذي يشغل الآن منصب الولي الفقيه.
وهذا ما يُشير إليه المفكر العراقي المعروف الدكتور رشيد الخيون في أحد لقاءاته التلفزيونية، يقول: إن شرعية وكاريزما خامنئي استمدها من شرعية وكاريزما الخميني مؤسس الثورة والدولة؛ لذلك فهو يملك كل مبررات الكاريزما الذي يحتاج إليها ليمسك بمقاليد السلطة. ويواصل حديثه: إن موته سيخلق فراغا في القمة لا يستطيع أحد من آيات الله البارزين في إيران أن يملأه؛ فإبراهيم رئيسي الذي من الواضح أن خامنئي يُعده لخلافته لا تتوفر فيه الإمكانيات السياسية والعلمية، ناهيك عن القبول الشعبي ليحل محله؛ وسبق لرئيسي هذا أن نافس على رئاسة الجمهورية لكنه لم يحظ إلا على ثلاثين في المائة؛ وهو في رأي الدكتور الخيون مؤشر كاف على افتقاده للشعبية والقبول السياسي والعلمي.
ويذهب الدكتور الخيون أن جنرالات الحرس الثوري التي تضخمت وتغولت في عهد خامنئي هم من سيتولون السلطة عملياً في إيران، وسيختارون فقيها ليقوم بالوظيفة الدستورية، إلا أنه سيبقى صورياً، وسوف تكون السلطة الحقيقية لدى جنرلات الحرس الثوري. وهذا يعني أن الدولة الكهنوتية الدينية قد تحولت إلى (دولة عسكرية)، على النمط الستاليني، مما سيفقد النظام القائم شرعيته الدينية على المستوى الشعبي، وهو المرحلة، أو هو الشرط الذي سيؤدي في النهاية إلى سقوط التجربة.
النقطة الثانية تدهور اقتصاديات إيران من الداخل، وتآكل البنية التحتية الخدماتية، بالشكل الذي سوف يسهم مساهمة جوهرية في اتساع رقعة التذمرات الشعبية، ولن يستطيع عسكر الحرس الثوري إذا ما تولوا عمليا السلطة أن يحافظوا على اللحمة الداخلية، خاصة إذا ما وجهوا مقدرات إيران إلى اقتناء السلاح والتوسع وبسط النفوذ، والتدخل في شؤون الدول المجاورة، فسيجد كوادر الحرس الثوري أنفسهم أمام خيارين إما التركيز ماليا على مكتسباتهم في الخارج، أو التضحية بها، وإعادة بناء الدولة من الداخل، التي انهكتها أيما انهاك سنوات الحصار الطويلة.
وعندما يلتفت الإيرانيون إلى الداخل وتنميته والاهتمام بالشؤون الاقتصادية فإن هذا يعني أن تصدير الثورة عمليا فشل، وتخلت ايران عن طموحاتها الإمبراطورية التوسعية، وهذا ما يريده الإيرانيون في الداخل، وكذلك حكومات دول الجوار.
النقطة الثالثة أن إيران من حيث تلاحم فئات مكوناتها الشعبية دولة يمكن ان نقول عنها هشة، بل وفي غاية الهشاشة؛ فهي دولة مكونة من قوميات وطوائف واديان وإثنيات مختلفة، بالشكل الذي يجعل قوة الدولة المركزية، إضافة إلى تخليها عن شرعية الولي الفقيه، أو ضعفه، الذي هو بمثابة شرط الضرورة للبقاء، ستتدهور اوضاعها وتلاحم مكوناتها، وإذا أضفنا مشاكلها الاقتصادية ستشكل هذه العوامل مجتمعة دافعاً لتفكك الدولة الإيرانية، فلدينا تجربة معاصرة هي يوغسلافيا، والتي كانت في زمن الرئيس تيتو تحكم بالحديد والنار، لكنها بموته سرعان ما ذابت وطفت على السطح التباينات القومية والدينية والإثنية، الأمر الذي فككها إلى عدة دول.
وفي تقديري أن إيران ستكون يوغسلافيا القرن الواحد والعشرين، فكل المؤشرات التي بين أيدينا تقول ذلك.
وليس لدي أدنى شك في أن سقوط وتفكك دولة الملالي سيسقط بشكل تلقائي حركات الإسلام السياسي الشيعية والسنية معاً، فقبل الثورة الخمينية كان اساطين الإسلام السياسي قابعين في الصفوف الخلفية في المجتمعات بلا قيمة، فلما انتصرت الثورة الإيرانية كانت أهم أحد المحركات الرئيسية لما يسمى بالصحوة الاسلامية التي دفعت بهم الى الأمام، وسقوط التجربة الإيرانية وفشلها سينعكس إيجابياً على منطقة الشرق الأوسط خصوصا في كل المناطق ذات الأغلبية الإسلامية.
فحوى ما أريد أن أقوله هنا أن الدولة الدينية، مهما كان الدين الذي ترتكز عليه، لا يمكن مطلقا أن تواكب العصر، قد تنخدع الشعوب في البداية بها، وتهرول خلف شعاراتها، لكن بقاءها ضرب من ضروب المستحيل.
نقلا عن “الجزيرة“