مقالات

لبنانية «حزب الله» والاحتلال الإيراني

 

توفيق هندي

أكتب هذا المقال مساهمة مني في حسم الجدل الحامي القائم في لبنان وخارجه بين من يرفع شعار الاحتلال الإيراني ومن يصر على لبنانية «حزب الله».
نعم، «حزب الله» ليس لبنانياً، بل هو تنظيم «عسكري – أمني – سياسي» يجسد احتلال لبنان من الجمهورية الإسلامية في إيران، على الرغم أن المنتمين إليه يحملون بطاقة الجنسية اللبنانية.
فـ«حزب الله» كمنظمة، هو جزء لا يتجزأ من الجمهورية الإسلامية في إيران، وليس هو مجرد وكيل ينفذ أوامر قم، بل هو أكثر من ذلك بكثير.
دوره ذو أهمية قصوى بالنسبة لإيران: فهو يشكل العمود الفقري لجيش الفتح الإيراني، كونه المكون الرئيسي للواء القدس في «الحرس الثوري»، المسؤول عن تصدير «الثورة الإسلامية» إلى أصقاع العالم. والمعلوم أن دور «الحرس الثوري» رئيسي في إيران ويشكل أداة السلطة الفعلية في يد المرشد الأعلى علي خامنئي. المنتمون إلى هذا اللواء هم من الشيعة، وبالتالي من الطبيعي أن ينطلق نشاط «لواء القدس» من بلدان له فيها مؤيدون.
علاوة على ذلك، فإن «حزب الله» هو المكون القاطرة لـما يسمونه محور المقاومة. ويشمل، علاوة على مكونات لواء القدس، كيانات غير شيعية كنظام الأسد في سوريا، «حماس» في غزة، الحوثيين في اليمن، وسرايا المقاومة في لبنان.
لقد كان «حزب الله» نتاجًا للجمهورية الإسلامية في إيران منذ تأسيسها في فبراير (شباط) 1979.
لا حاجة لإثبات أن إيران تزوده بالسلاح والمعلومات والمال (بالإضافة إلى موارده الأخرى: المال الآتي من الانتشار الشيعي اللبناني، لا سيما في أفريقيا، ومن سيطرته على مفاصل الدولة اللبنانية، ومن استثماراته، ومن اقتصاده الموازي على حساب الدولة، ومن أنشطته غير المشروعة، وغيرها).
تصدر بعض التصريحات عن قادته توحي بلبنانية همومه وتوجهاته، يخاطب من خلالها بيئته وأحياناً الجمهور اللبناني العريض و/ أو تفرضها عليه مواجهة خصومه، معارضيه وأعدائه المحليين أو الإقليميين أو الدوليين.
لرفع أي التباس حول هذا الموضوع، تتوجب العودة إلى قراءة متمعنة لبيانه التأسيسي الصادر بتاريخ 16 فبراير 1985 في جريدة السفير، حيث يحدد بوضوح علاقته العضوية بإيران، وهدفه النهائي (أسلمة العالم وفقاً لـ«ولاية الفقيه») والوسيلة الاستراتيجية لتحقيق هذا الهدف.. الجهاد.
بعد مؤتمر الحزب في عام 2009، تم نشر وثيقة سياسية جديدة تشكل تحديثاً للبيان التأسيسي لعام 1985، لكنها لا تتعارض معه بالأساس، إنما تشكل محاكاة تكتيكية للعبة الداخلية اللبنانية، بعد مشاركته في الانتخابات النيابية لأول مرة عام 1992.
منذ ذلك الحين، صقل «حزب الله» خطابه «اللبناني»:
1 – يحتكر النشاط المقاوم ضد المحتل الإسرائيلي. وهو يطلق على نفسه اسم المقاومة من دون أي توصيف حين يتوجه إلى اللبنانيين، فيما يستخدم يافطة «المقاومة الإسلامية» على مواقعه في الشبكة العنكبوتية.
2 – بالشكل، يقتصر هدفه الأسمى على تحرير جميع الأراضي اللبنانية، مبرراً مقاومته بعد تنفيذ القرار 425 باعتبار أن قرى شبعا وتلال كفر شوبا وقسما من بلدة الغجر ما زالت تحت الاحتلال.
3 – يعلن نفسه مدافعاً عن احتياطيات الغاز البحرية في المياه الإقليمية اللبنانية المتاخمة للمياه الإسرائيلية لمواجهة محاولات إسرائيل سرقتها.
4 – يؤكد أنه الوحيد القادر على الدفاع عن لبنان (وليس الجيش اللبناني!) ضد أي محاولة عدوان إسرائيلي محتملة بسبب الطبيعة التوسعية للكيان الصهيوني، وذلك حتى تدمير دولة إسرائيل. وهذا ما يبرر ضرورة حيازته على الأسلحة إلى ما شاء الله.
من الواضح أن «حزب الله» أصبح لاعباً «بارعاً»، بمهارة لا تضاهى، من حيث تحديد المراحل الإستراتيجية والفترات التكتيكية المتسلسلة والمترابطة فيما بينها، وتحديد أهداف قابلة للتحقيق في كل مرحلة وفترة وصولاً إلى تحقيق هدفه النهائي.
مع كل هذه المعلومات التي يمكن التحقق منها والأدلة الدامغة، لا يصعب على أحد أن ينكر حقيقة أن لبنان يرزح تحت الاحتلال الإيراني.
ولكن البعض في لبنان، يرى أن «حزب الله» حزب لبناني، بحجة تجذره في البيئة الشعبية وثقل وجوده في البرلمان والحكومة.
ويعزز هذا التصور مجاراة المجتمع الدولي هذه النظرة.
فإذا كان هذا الاعتراف بلبنانيته طبيعياً بالنسبة للصين أو روسيا نظراً لعلاقتهما الاستراتيجية مع إيران، فإنه يتناقض وجودياً بشكل صارخ مع حلفاء وشركاء الغرب في الشرق الأوسط.
غير أن الغرب، في الوقت الحاضر، لا يزال يحاول مراعاة إيران عامة وفي لبنان خاصة، من أجل إنجاح مفاوضات فيينا، اعتقاداً منه أنه يحقق بذلك مصالحه الإستراتيجية والاقتصادية.
علاوة على ذلك، فإن شهية السلطة و/ أو المال لدى عدد وفير من القادة والقوى السياسية اللبنانية، هي التي قادتهم إلى الخضوع لـ«حزب الله»، بحجة الواقعية السياسية.
ويستند إخضاع الطبقة السياسية المارقة إلى المعادلة التالية: يستخدم «حزب الله» لبنان كنقطة انطلاق لـ«مشروعه الإسلامي» في المنطقة والعالم مقابل فتات السلطة للطبقة السياسية وإدارة تناقضاتها وحماية فسادها.
المتحور الأكثر مكراً من لبنانية «حزب الله» هو «لبننة حزب الله». هذا ما تعلنه بعض القوى والشخصيات التي تدّعي أنها سيادية لتتمكن من مجالسته في الأطر الدستورية للدولة المنهارة. في الواقع، لا يمكن لـ«حزب الله» أن «يتلبنن» لأنه حينها يفقد علة وجوده.
وعن شرعية «حزب الله» اللبنانية، يمكننا إيراد الملاحظات التالية:
1-«حزب الله» ليس له وجود قانوني: لا توجد أي إشارة إليه في سجلات وزارة الداخلية.
2- ليس له صفة قانونية كقوة مسلحة لتصنيفه من ضمن مؤسسات الدولة، علما بأن المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه أي دولة هو حصرية حيازتها السلاح وقرار استخدامه وقرار الحرب والسلام.
3 – وجوده المسلح يشكل مخالفة صريحة لاتفاق الطائف الذي يؤكد على تسليم الميليشيات لسلاحها في فترة لا تتجاوز الأشهر الستة بعد إقراره. لا شك في أنه خلال المفاوضات في مدينة الطائف، لن يتفوه أحد بإمكانية قيام مقاومة مسلحة خارج إطار الدولة اللبنانية. بل إن العكس صحيح: التحرير منوط بالدولة اللبنانية حصراً التي يجب أن تبسط سيادتها على مناطق الجنوب المحتلة بعد تنفيذ القرار 425، وأن تعود بعد ذلك إلى تنفيذ اتفاقية الهدنة مع إسرائيل الموقعة في 23 مارس (آذار) 1949.
4 – أنه يخالف أغلبية مواد الدستور وعلى الأخص مقدمته التي تلخص الاتفاق الوطني على المبادئ الميثاقية التي تحدد محتوى الكيان اللبناني.
5- بتناقض واضح مع الدستور، يمارس عداء «حقيقياً» للعالم العربي ولا يحترم ميثاق وقرارات الأمم المتحدة.
لبنان اليوم في جهنم، والجحيم مكون من عدة طوابق ولكن لا قعر له.
موضوعياً، لا خلاص للبنان مادام محتلاً من إيران عبر سلاح «حزب الله». إن إمساك «حزب الله» بلبنان لا يشكل خطراً على وجود لبنان فحسب، بل إنه يشكل خطراً يزداد يوماً بعد يوم على الاستقرار والأمن والسلام في المنطقة.
إزالة هذا الخطر بيد المجتمع الدولي والعالم العربي، وهي تتطلب أولاً بأول تنفيذ قرار مجلس الأمن 1559.

* نقلا عن ” الشرق الأوسط”

 

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى