لا خيار أمام الإيرانيين إلا الرضوخ
محمد آل الشيخ
وكما توقعت في مقال سابق، لن يعود الديمقراطيون الأمريكيون إلى الاتفاقية النووية مع طهران بشكل تلقائي، مثلما فعلوا في الكثير من القرارات التي انسحب منها ترامب؛ فقد انتهزوا فرصة انسحاب ترامب من الاتفاقية النووية؛ ليضيفوا شروطًا جديدة إليها، لم تكن الاتفاقية السابقة تتضمنها. وهذا يعني أن الرئيس بايدن سيُبقي العقوبات الاقتصادية كما هي عليه. إبقاء العقوبات على النظام الإيراني ستضطره إلى الرضوخ في نهاية الأمر. هذا إذا لم يتخذ الإيرانيون قرارًا تصعيديًّا أحمق بزيادة تخصيب اليورانيوم إلى ما فوق النسبة المتفق عليها؛ الأمر الذي سيضطر الحكومة الأمريكية إلى اتخاذ إجراء لمنع أمر كهذا، حتى لو اضطروا إلى استخدام القوة بشكل أو بآخر؛ لأن أمرًا كهذا سيجعل المنطقة تدخل في سباق تسلح نووي غير مضمون العواقب، ولاسيما أن بايدن قد أعلن بحزم أنه لن يسمح لنظام الملالي في إيران بالحصول على السلاح النووي. أضف إلى ذلك أن حصول الإيرانيين على السلاح النووي قضية لا يمكن أن تسمح بها إسرائيل، ولا الولايات المتحدة، ومعها الغرب بأكمله. ويخطئ الإيرانيون إذا ظنوا أن غياب ترامب عن المسرح يعني أن الديمقراطيين سيتساهلون معهم، وسيغضون الطرف عن طموحاتهم في امتلاك السلاح النووي؛ لأن ذلك، وبشكل تلقائي، سيعرّض ليس أمن إسرائيل فحسب للخطر، وإنما وجود إسرائيل برمتها لخطر الزوال، ولاسيما أن النظام في طهران نظام كهنوتي مؤدلج، لديه أجندة توسعية، هي بالنسبة إليه الهدف والغاية حتى لو كلف ذلك فناء نصف الشعب الإيراني. الإيرانيون يلوحون بالعمل على زيادة تخصيب اليورانيوم ليقتربوا من النسبة التي تؤهلهم من صناعة السلاح النووي بهدف دفع المفاوض الأمريكي إلى الرضوخ لشروطهم، وتفعيل الاتفاقية كما كانت، غير أن الأمريكيين ليسوا في وارد تفعيلها ما لم يدخلوا عليها إضافات تضمن أمن المنطقة، وفي المقدمة أمن إسرائيل، التي هي بيت القصيد بالنسبة للمفاوض الأمريكي؛ لذلك فإنني أرى أن التمادي بالتلويح بزيادة التخصيب من قِبل الإيرانيين سيضطر الأمريكيين إلى استعمال القوة لكبح جماحهم.. إلا أن تاريخ المماحكات الإيرانية الأمريكية علمتنا أن الملالي يحبذون دائمًا الدفع إلى حافة الهاوية، ثم يتراجعون، غير أن أوضاع إيران الاقتصادية هي في تفاقم مستمر، بالشكل الذي يجعل من قدرتهم على المناورة تضيق كلما طال الزمن. ولا أعتقد أن أمرًا كهذا لا يدركه صانع القرارلأمريكي، بمعنى أن مساحة المناورة لدى الأمريكيين أوسع بكثير من مساحتها لدى ملالي طهران. وفي اعتقادي إن وضع إيران التفاوضي هو الآن أضعف بكثير من الماضي؛ إذ يصطف في مواجهتها – إضافة إلى إسرائيل – الدول العربية الست التي طبّعت معها، إضافة إلى دول الخليج. وكل هذه الدول ترتبط مع الولايات المتحدة وكذلك الدول الغربية بوشائج من العلاقات الاستراتيجية؛ ما يجعل في المحصلة الكفة تميل بقوة لمناوئي دولة الملالي بشكل واضح وجلي.
وإذا كانت السياسة هي أولاً وأخيرًا فن الممكن فلا مناص أمام إيران إلا التماهي مع الممكن، والتنازل عن أطماعها، والرضوخ للواقع.
إلى اللقاء
نقلا عن الجزيرة