أهم الأخبارمقالات

في غياب المقاتلات الإيرانية عن مشهد المواجهة.. هل تُحتفَظ بها لمرحلة ما بعد النظام؟

للمراقب المتابع منذ اندلاع الضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران قبل ثلاثة أيام، يلفت الانتباه الغياب التام للمقاتلات الإيرانية من ساحة المعركة. فالقوة الجوية الإيرانية، رغم تقادمها النسبي، تضم طرازات لا يُستهان بها كـ”ميغ-29″ الروسية و”إف-5″ الأميركية، التي لا تزال قادرة على تنفيذ مهام قتالية ضد خصوم داخليين أو إقليميين. هذا الغياب يطرح تساؤلات مشروعة حول السبب: هل هي غير صالحة للاستخدام فعلا؟ أم أن النظام يتعمد إبقاءها خارج المعركة

لحسابات تتجاوز المواجهة الحالية؟ والأكثر إثارة للتساؤل هو موقف إسرائيل التي لم تبادر، حتى اللحظة، إلى استهداف هذه المقاتلات سواء على الأرض أو أثناء انتقالها، رغم ما يُعرف عنها من حرص على تحييد أي تهديد جوي، حتى ولو كان محتملا. من زاوية الشعوب غير الفارسية داخل إيران، كالأحوازيين والأكراد والبلوش، فإن بقاء هذه المقاتلات في الخدمة أو حتى سليمة داخل القواعد الجوية يُعد تهديدا قائما. إذ إن أي نظام بديل، إذا لم يكن ديمقراطيا وممثلا حقيقيا للتعدد القومي، قد يستخدم هذه القوة الجوية مجددا لقمع تطلعات هذه الشعوب في تقرير مصيرها أو نيل حقوقها الثقافية

والسياسية. هذا لا ينفصل عن سجل الدولة الإيرانية التاريخي في توظيف القوة العسكرية، لا ضد أعداء خارجيين، بل ضد مكونات الداخل عند أول مطالبة بالحقوق. من هذا المنظور، يبدو أن أي “إرادة حقيقية” لتغيير النظام الإيراني، إن وُجدت، يجب أن تشمل استراتيجية واضحة لتحييد هذه الأصول العسكرية، وعلى رأسها الطيران الحربي. فتركها دون تدمير أو تعطيل سيُعد مخاطرة جدية، ليس فقط في إعادة إنتاج النظام القمعي بصيغة جديدة، بل في تمكينه مجددا من أدوات العنف المنظم ضد أبناء الداخل.

واحتمال آخر لا يُستبعد هو أن تكون إيران قد نقلت جزءا من مقاتلاتها إلى

أراضٍ أكثر أمنا في دول مجاورة، كالعراق أو أفغانستان أو حتى باكستان، خاصة في ظل علاقاتها الأمنية المعقدة مع بعض هذه الدول. وإن صحّ هذا، فإن الحديث عن “مسرح المواجهة داخل إيران” يغدو أكثر تعقيدا، ويؤكد أن هناك خطة لتأمين ما يمكن من أصول القوة للمرحلة التالية، سواء بقي النظام أو سقط.
خلاصة الأمر أن تجاهل مصير سلاح الجو الإيراني، في أي تصور لتغيير النظام، قد يكون خطأً استراتيجيا قاتلا. فالمشكلة في إيران لم تكن يوما فقط في شخص الحاكم، بل في البنية العنيفة للدولة المركزية، التي لم تتوانَ يوما عن استخدام طيرانها الحربي لقصف القرى

الكردية، أو قمع الانتفاضات الأحوازية، أو شن حملات الإبادة ضد البلوش. ما لم يتم تفكيك هذه البنية، وتفريغها من أدوات القمع، فإن أي انتقال للسلطة سيبقى مشبوها، وعرضة لإعادة إنتاج ذات العنف بوجوه جديدة.
رحيم حميد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى