غياب التسوية السياسية يعيد تدوير الأزمة السورية
رفيق خوري
المعضلة التي قادت إلى الثورة والحرب في سوريا عام 2011 لا تزال بلا حل (أ ف ب)
لا مهرب من سؤال تطرحه بطبائع الأمور تظاهرات السويداء: هل يتكرر سيناريو 2011 عام 2023؟
ولا جدوى من المسارعة إلى تقديم جواب في وضع معقد جداً، فقبل 12 عاماً بدأت التظاهرات في درعا التي سميت “مهد الثورة” وانتشرت في العاصمة دمشق وريفها ومعظم المحافظات، وبينها حمص التي سميت بـ “عروس الثورة”، وكانت المطالب تتدرج من تحسين الأوضاع المعيشية إلى إصلاح النظام ثم إسقاط النظام، وكانت الدوافع الداخلية إلى التغيير قوية جداً والدوافع الخارجية إلى دخول اللعبة في سوريا متعددة، فالنظام رأى “مؤامرة كونية” واختار التعامل بالعنف مع التظاهرات التي ظلت سلمية نحو ستة أشهر، والعنف قاد إلى تحول الثورة حرباً، والحرب أكلت الثورة وأضعفت القوى المعتدلة وفتحت الأبواب أمام كل التدخلات و”الأجندات الخارجية”، ودفعت المتطرفين إلى مقدم المسرح بدءاً من “الإخوان المسلمين” و”القاعدة” عبر “جبهة النصرة” التي صارت اليوم “هيئة تحرير الشام”، وصولاً إلى “داعش”.
السويداء لم تشارك في الحرب بل حمل شبابها السلاح لحمايتها، وإيران التي اندفعت منذ البداية للقتال إلى جانب النظام جاءتها النجدة من الدخول العسكري الروسي الذي أنقذ النظام من سقوط وشيك.
المشهد اليوم مختلف تماماً، فالنظام استعاد بعض ما كان له من قوة عسكرية، والمعارضون وقياداتهم في الخارج في أضعف الحالات، والبلد مقسم إلى حصص، حصة النظام في حدود 60 في المئة من مساحة سوريا بالشراكة مع موسكو وطهران، وحصة تركيا في الشمال الذي تحتله غرب الفرات ومعها دويلة إدلب لصاحبها أبي محمد الجولاني، وحصة الكرد شرق الفرات بحماية القوات الأميركية نحو 30 في المئة من مساحة البلد، وحصة إسرائيل هي الأجواء المفتوحة لطائراتها وصواريخها التي تقصف المواقع والأسلحة التابعة للحرس الثوري الإيراني والميليشيات العراقية والأفغانية والباكستانية واللبنانية المرتبطة به.
اقرأ المزيد
محتجون في مدينة السويداء السورية يغلقون مقر حزب البعث
سوريون يتظاهرون في جمعة “إسقاط النظام” بدرعا والسويداء
“السويداء”… مدينة التأييد والحياد والاحتجاج بسوريا
عادت سوريا لمقعدها في الجامعة العربية وسط الانفتاح العربي عليها، وليس هناك قوة داخلية قادرة على ثورة شاملة وحرب، ولا قوة خارجية مستعدة لدفع المال وتقديم السلاح لطرف داخلي يعيد تجربة حظه في العمل لإسقاط النظام، وحتى القوى الخارجية التي كانت لديها “أجندات” من أهدافها إسقاط النظام صارت اهتماماتها في مكان آخر، لكن الوضع المالي والاقتصادي والاجتماعي في منتهى البؤس، و90 في المئة من السوريين على خط الفقر وتحته، ونصف السوريين بين نازح في الداخل ولاجئ إلى الخارج في ظروف صعبة، والنصف الآخر محكوم بأن يعيش بأقل من 20 دولاراً في الشهر بعد التدني الكبير لليرة أمام الدولار، والأصوات التي تطالب بتحسين الوضع المعيشي بدأت ترتفع في منطقة الساحل، “عرين” النظام، ولا أحد يعرف إلى أي حد يمكن أن تنجح الإدارة الحكومية في تحسين نفسها وتقديم الخدمات للمواطنين والحد من البؤس المالي والاقتصادي والاجتماعي، لكن الكل يعرف أن الأساس هو الحل السياسي، فالأزمة التي قادت إلى الثورة والحرب عام 2011 لا تزال بلا حل، والموفد الدولي غير بيدرسون لا يزال يدور في العواصم ويقوم بحوارات في دمشق وسواها من دون أن يتقدم خطوة عملية واحدة حتى في اقتراحه المسمى “خطوة مقابل خطوة”، ومن دون تسوية سياسية على أساس القرار الدولي (2254) فلا شيء يتقدم، لا إعادة إعمار ولا عودة نازحين ولا نهوض اقتصادياً ولا نهاية لوجود القوى الأجنبية على أرض سوريا سواء جاءت بدعوة رسمية أو بالاقتحام، وأخطر ما في رفض التسوية السياسية هو تفاقم الأزمة التي قادت إلى الثورة فالحرب.
مفهومٌ أن التاريخ لا يتكرر، لكن الفيلسوف الفرنسي جان بودريار يرى “ألا شيء مما اعتقدنا أن التاريخ تجاوزه اختفى حقاً”، ويقول إن “كل ما ليس قابلاً للزوال يغدو اليوم قابلاً للتدوير”، والتدوير أخطر من التكرار.
نقلا عن اندبندنت عربية