شهر العسل الاميركي الايراني.. نهاية أم افاق جديدة؟
حارث سليمان
تستعد دول الشرق الأوسط لإستقبال الرئيس الأميركي جوزيف بايدن، في جولة ستشمل زيارة كيان العدو الإسرائيلي ورئيس السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة في رام الله، كما ستشملُ مصرَ والأردن والامارات العربية، وستتوج بانعقاد قمة عربية اميركية تستضيفها المملكة العربية السعودية، ويتقدم صفوف الحاضرين فيها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، ويكتسب الحدث الإقليمي المنتظر أهميته البالغة، من عدة إعتبارات وتطورات مفصلية طبعت العلاقة الأميركية الخليجية عامة، والأميركية السعودية خاصة، منذ عهد الرئيس أوباما وتوقيع الإتفاق النووي الإيراني بين إيرانَ ودول الغرب سنة ٢٠١٥.
وتشكل هذه الزيارة والقمة التي ستنعقد تتويجا لها، نهاية مرحلة سابقة، سادت فيها العلاقات الخليجية الاميركية الكثيرُ من الخلافات والتباينات والسياسات المتناقضة، بل الانفصال بالخيارات الاستراتيجية حول الأزمات والملفات الاقليمية والدولية، فمنذ أحداث الحادي عشر من أيلول نما داخل النخبة الأميركية وصانعي السياسات والاعلام فيها، إتجاه لا يكتفي بتجريم القاعدة ومشتقاتها الإسلامية في التنظيم والعقيدة، بتهمة الإرهاب واعتماد الإسلام الجهادي السلفي، بل كان هذا الإتجاهُ يُحمِّلُ دول الخليج وهيكلياتها الدولتية ومؤسساتها الدينية ومناهج الثقافة والتربية فيها، يُحَمِّلُها مسؤوليةَ نشوءِ الجماعاتِ الجهاديةِ المُسلَّحةِ، كما يُوَجِّهُ لوما متفاوتا لآليات التمويل والزكاة والصدقات الاسلامية، التي تتسرب لجماعات الجهاد والارهاب الاسلامية.
وتعاظمت نظرة الشك الاميركي بدول الخليج، ووصلت درجةً من العداءِ المضمر مع ما عرف ب “عقيدة اوباما”، الذي جاهر بعدم تعاطفه مع دول الخليج وانظمتها والعرب بشكل عام، واصفا اياهم بالتخلف والعجز ومعيِّرا دولهم، بانها عبء دائم يحتاج الى حماية، ونتيجة لهذه العقيدة اتبع اوباما سياسة اقليمية شرق اوسطية، تنطلق من اعتبار أنِّ ايران كشعب عريق ودولة حية، قادرة على التقدم والانجاز والنمو، إذا ما تمَّ إستيعابها واستدراجِها داخل السوق الرأسمالية العالمية، مُعَوِّلا أن يكونَ الاتفاقُ النووي مع ايرانَ، نقطةَ تحوِّلٍ داخلي ايراني، يفتح ايران امام العالم المعاصر، ويُمَكِّنُ قوى السوق ورجال الأعمال والنخب العلمية في ايران والقطاعات المنتجة، من كسر سطوة رجال الدين والانخراط في آليات العولمة الاقتصادية ولعبة الرأسمال العالمي.
لم تجر الاحداثُ في الشرق الاوسط طِبْقاً لأحلامِ أوباما، ولا باتجاهِ تَوَقُعاتِه، فقد استعملت إيران إتفاقَها النووي للإفراج عن ودائعها المحجوزة في دول الغرب، وحصلت على ما يقارب ١١٢ مليار دولار$ ، بعضها تم شحنه بحقائبَ ضخمة على طائرات اميركية، وبدل أن تفتح أسواقها للإنتاج والنمو والصناعات الجديدة وتطوير قطاعاتها الاقتصادية والبترولية المختلفة، بما يؤهل قيام بيئة للأعمال والاستثمار، تشكل منصة للتغيير السياسي وفكفكة لسيطرة رجال الدين، لجأ المرشد السيد الخامنئي ومن ورائه الحرس الثوري الايراني، الى أمرين خطيرين؛ الأول على مستوى الداخل الايراني بتعزيز سيطرة الحرس على القطاعات الاقتصادية الإيرانية الناشئة، وحسم الصراع مع الجناح الإصلاحي في النظام، لصالح المتشددين المحافظين، والثاني خارجي باستعمال التدفقات المالية الجديدة في توسيع التمدد الايراني، وتفعيل سطوة الحرس وتمويل عملياته الخارجية في لبنان وسورية وفلسطين والعراق واليمن وافغانستان.
وكان من نتائج سياسة الرئيس ترامب بالخروج من الاتفاق والغائه، من طرف واحد، ان بالغ الايرانيون في اجراءات تخصيب اليورانيوم وتطوير برنامجهم الباليستي، وتوسيع حروبهم في دول الجوار العربي والاسلامي. نجح ترامب في تشديد العقوبات الاقتصادية على ايران، ومنعها من تصدير نفطها الخام او مبادلته بالوقود او باي سلعة اخرى، وتلقت دول الخليج ردات فعل الانتقام الايراني، على العقوبات الاميركية تصعيدا في اليمن والعراق، فقامت ايران واذرعتها بقصف ناقلات ومنشآت النفط السعودية وموانئ ومطارات مدنية في كل من دبي وجدة والرياض. فانعكس التصعيد الاميركي على ايران، تصعيدا ايرانيا على دول الخليج، التي شعرت بانكشاف امنها الوطني، وبزعزعة استقرار مجتمعاتها وتهديد منشأتها ومواردها الاقتصادية، خاصة بعد امتناع اميركا عن تقديم حماية لها، فلجأ العديد من دولها صاغرة لتوقيع ما دعي ” بسلام إبراهيم” وبقبول صفقة القرن التي فرضتها ادارة ترامب، كتصفية شاملة لحقوق الشعب الفلسطيني، والتفريط بالقدس، بعد نقل السفارة الاميركية اليها.
كان الجذع الخليجي من ايران مبالغ به، وغير مبرر، كما كانت الآمال الخليجية على دور اسرائيلي في مواجهة ايران مبالغ فيه ايضا، فلم تكن ايران بقادرة على مهاجمة دول الخليج بحرب مفتوحة ومباشرة تنتصر فيها، ولا كانت اسرائيل مستعدة او راغبة بالقيام بحماية دول الخليج من اي هجوم ايراني عليها، لذلك فان القفز الى التطبيع مع اسرائيل كان قفزة في المجهول دون مبرر، كما كان القبول بصفقة القرن تنكرا لشعب فلسطين وحقوقه المشروعة، دون مقابل ودون اضطرار، فيما بقيت السعودية على رباطة جأشها متمسكة بالتزاماتها وثوابتها العربية والاسلامية. مع عودة الادارة الديموقراطية الى البيت الابيض، وانتخاب بايدن وعودة التفاوض لإحياء الملف النووي الايراني، اتخذت الخلافات الاميركية العربية بعدا اوسع مدى وأشد خطورة، فقد ذه
لذلك عززت الامارات والمملكة السعودية من علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع فرنسا، وقامت بشراء اسلحة وذخائر فرنسية كما تلقت دعما استخباريا ولوجستيا فرنسيا لحرب السعودية في اليمن، إضافة الى صياغة شراكة فرنسية_ سعودية في ملفات شرق اوسطية كان لبنان واحد منها، كما تحركت كل من الامارات والسعودية صوب الصين، لعقد اتفاقيات شراكة اقتصادية استراتيجية معها، والى التعامل ايجابا مع الاستراتيجية الصينية القائمة على مبادرة الحزام والطريق، وتم توقيع عقود طويلة الامد لإمداد الصين بالنفط السعودي والإماراتي، وشهدت العلاقات الروسية الخليجية مرحلة من التعاون والشراكة والانفتاح لم يجر مثيلا لها فيما مضى، وظهر جليا التحالف الروسي الخليجي في منظمة اوبك بلاس، التي تضم الدول اوبك المصدرة للنفط اضافة الى روسيا، وقد ادى التنسيق السعودي الروسي في موضوع سقف انتاج دول اوبك واوبك بلاس، وسياسة الحفاظ على سعر مرتفع لبرميل النفط الى احراج ادارة بايدن واخراجها من وقارها.
كان الهجوم الروسي لاجتياح اوكرانيا مناسبة لإعادة خلط الملفات الدولية بالملفات الاقليمية، فبعد ان يممت اميركا وجهها صوب الباسفيك لتواجه الصين هناك، معتبرة منطقة الشرق الاوسط منطقة لا اهمية استراتيجية لها، خلقت الحرب الروسية الاوكرانية، وعودة الحرب الباردة بين الشرق والغرب ازمة طاقة عالمية، تمثلت بارتفاع سعر برميل النفط الى حدود ١٢٠ $ ، وهو امر رفع معدلات التضخم في اقتصادات الغرب بين ٥% و٨%، وانعكس ارتفاعا في نسبة الفوائد على رؤوس الاموال في البنوك، مما يهدد النمو وإمكانية خلق فرص عمل جديدة، واضيفت الى ذلك نتائج العقوبات الغربية على موسكو، التي هدفت الى تقليص الواردات الروسية الى اوروبا من الغاز والنفط على السواء، ثم تطورت الازمة لتتسبب بانقطاع الغاز الروسي عن المانيا بشكل تام وفجائي!
في المحصلة العملية وجدت أميركا ومعها دول اوروبا، انه لا بديل عن الخليج العربي من اجل تأمين النفط للاقتصادات الغربية، ولا بديل للغاز الروسي سوى الغاز القطري والجزائري راهنا، وغاز شرق البحر الابيض المتوسط من اسرائيل ومصر خلال مدة وجيزة، اذا ما استمرت الحرب الروسية الاوكرانية واشتد اوارها.
يضاف الى ما تقدم أن بايدن وحزبه الديموقراطي يتهيآن لخوض انتخابات نصفية، لمجلسي الشيوخ والنواب في الخريف القادم، وان ارتفاع اسعار النفط في السوق الاميركية، ستجعل خسارتهما متحققة وحتمية، لا يوجد مصدر في العالم قادر اليوم وبشكل فوري على زيادة انتاجه اليومي من النفط، بين ٢ و٣ مليون برميل في السوق العالمية سوى السعودية والامارات، ان قيام الامارات والمملكة السعودية بهذا الامر، سيؤدي ليس الى وقف ارتفاع سعر البرميل، بل الى تخفيضه بشكل عاجل وملموس الى حدود ٨٥ $ للبرميل، وهو امر سيجعل من العقوبات الغربية على بوتين امرا ذات جدوى، وسيخنق الاقتصاد الروسي، الذي نجح لتاريخه بمواجهة العقوبات وتخفيف اثارها، كما سيشكل اغلى هدية يمكن ان يقدمها محمد بن زايد ومحمد بن سلمان لبايدن وحزبه في الانتخابات الاميركية المنتظرة! فما هي الاثمان التي على اميركا دفعها مقابل هذا الانجاز العالمي بقرار سعودي اماراتي!؟
أول الاثمان نهاية شهر العسل الايراني الاميركي، مع ما يستتبع ذلك من تقليص نفوذ ايران في اليمن والعراق وسورية ولبنان وفلسطين.
وثاني الاثمان هو سعي جدي لقيام دولة فلسطين ضمن المبادرة العربية وحل الدولتين، واسقاط صفقة القرن بكل اشكالها.
العالم يعيد الاعتبار لموقف عربي حازم فهل نفعل؟! وهل يستعيد العرب وزنهم بين الامم، دون ان نخدع بوعود جوفاء، ودون ان نقدم هدايا دون مقابل!
جنوبية