رؤية إيران للنظام العالمي قديما وحديثا
هدى رؤوف
خلال كلمة ألقاها أمام طلاب الجامعات الإيرانية، تحدث المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي عما يشهده العالم من تطورات متلاحقة. قال خامنئي “العالم اليوم على أعتاب نظام عالمي جديد”. واعتبر أن عصر العالم ثنائي القطب أو أحادي القطب يقترب من نهايته وأنه في ظل هذا النظام الجديد “تصبح الولايات المتحدة أضعف يوماً بعد يوم.” ودعا إلى أن تستعد إيران لهذا النظام العالمي بقوة ناعمة وصلبة لضمان مصالحها.
لكن، ما شكل النظام العالمي الجديد الذي يتوقعه خامنئي، وهل من المتوقع أن تختلف سياسة إيران وفقاً لهذا التصور للنظام العالمي الجديد عن سياسة إيران من قبل؟
منذ تأسيس النظام الإسلامي الإيراني بعد إطاحة حكم الشاه، حليف الغرب، وضعت الدولة الثورية نفسها في مواجهة الغرب والنظام الليبرالي، ولم تكُن سياستها الخارجية استثناءً. كانت أهداف النظام الجديد عابرة لحدود الدولة.
تضمنت مبادئ النظام الجديد وأفكاره تقسيم العالم إلى “المتغطرس” و”المظلوم”، وهدف تقديم الدعم للمظلومين بينما يكافحون ضد الغطرسة والإمبريالية.
وعلى الرغم من الحوار وتنسيق المصالح بين إيران ومن تعتبرهم رموز الإمبريالية والهيمنة والغطرسة، إلا أنها أعطت أولوية كبيرة لفكرة تحدي النظام العالمي في سياستها الخارجية. وعلى الرغم من الشعار، كانت هناك فترات من التعاون بين إيران والولايات المتحدة في العراق وأفغانستان خلال فترة جورج بوش الابن، ولا تُنسى واقعة “إيران غيت” التي شهدت على إمكانية التعاون بين إيران وإسرائيل.
ومع أن سياسة إيران التي رفعت شعار “لا شرق ولا غرب”، أي اتخاذ خط مغاير بعيداً من التنافس بين المعسكرين الشرقي – السوفياتي والغربي – الأميركي، كانت طهران في الموقع المعادي للإمبريالية. وعلى الرغم من ترويج النظام لعدم التبعية إلى أيّ من القوى المتحكمة في النظام الدولي، إلا أنها دائماً ما اتبعت سياسة تميل نحو الشرق، لا سيما الصين وروسيا ومن قبلها الاتحاد السوفياتي. واستمرت هذه العلاقة لتتوّج فى السنوات الماضية باتفاق الشراكة الاستراتيجية طويل الأمد بين طهران وبكين، وباتفاق آخر بين طهران وموسكو.
فما يعتبره خامنئي نظاماً عالمياً جديداً يقوم على التعددية وأفول عصر الهيمنة الأميركية، لا يعني إلا مزيداً من تكريس توجه إيران نحو الشرق وتعزيز سياسة النظر شرقاً لأجل طويل. ويكرر المتشددون أن أولويتهم ليست العلاقات مع الغرب، إنما النظر شرقاً والاعتماد على القوة المنافسة والمتحدية لقيادة الولايات المتحدة للنظام العالمي، ما يوفر لإيران مظهر المتحدي للقوى العالمية بما يخدم شعارات النظام الثوري الذي يحاول أن يستمد شرعيته من معاداة الغرب.
ولطالما كانت التصورات حول استغلال القوى الكبرى إيران وغيرها من الدول ملهمة لخطابات الخميني وخامنئي الثورية والخطابات التي دعت إلى الوحدة الإسلامية في مواجهة الإمبريالية الغربية والسوفياتية، وذلك على نحو ما رسخت خطابات الوحدة الإسلامية وإحياء مفهوم “الصحوة الإسلامية” في ما بعد لدى خامنئي.
وتعمل إيران على استخدام الوسائل كلها لتوظيف هذه الشعارات. لذا، يدعو خامنئي في خطابه المشار إليه طلاب الجامعات الإيرانية إلى تطوير “علاقات صحية” مع النشطاء المناهضين للإمبريالية في الدول الغربية. ويتصور خامنئي أن إيران يجب أن تركز بشكل أقوى على الدول المجاورة، مثل أفغانستان وباكستان والعراق.
التصورات الإيرانية لا تقف عند النظام العالمي، بل تهتم بالنظام الإقليمي، لأنه يمنح طهران الميدان الذي ترغب بأن تنشط فيه لممارسة تصوراتها عن التمايز الإقليمي.
وعلى الرغم من وجهة نظر خامنئي القائلة إن الولايات المتحدة في حالة تدهور، إلا أنها متناقضة مع حقيقة أن خامنئي منح الضوء الأخضر عام 2015 لحكومة حسن روحاني لتوقيع خطة العمل الشاملة المشتركة مع الغرب، وأنه أعطى كذلك موافقته لحكومة إبراهيم رئيسي لإتمام محادثات فيينا. فإيران تعي دور الولايات المتحدة كقائد أرسى قواعد النظام الدولي، وهنا تكمن خشيتها من العقوبات الأممية.
اندبندنت عربية