خامنئي وانقلاب مصدق… استحضار التاريخ في إدراك الحاضر
هدى رؤوف
اعتاد النظام الإيراني استحضار قصص من الأحداث التاريخية لتبرير كثير من سياساته، وحدث ذلك بالاستشهاد بمقتل الحسين وكربلاء وكذلك استحضار مسيرة أخيه الحسن، رضي الله عنهما، في مواقف أخرى.
أما عن الأحداث التاريخية المرتبطة بإيران، فيسجل هذا الشهر مرور 70 عاماً على الانقلاب الذي دبرته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لإطاحة رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق الذي لا يزال إرثه مثيراً للجدل ومعقداً بالنسبة إلى إيران وسط استمرار التوترات مع الولايات المتحدة.
فكان الانقلاب الذي دبر بمعرفة واشنطن والمعروف بعملية “أجاكس” ضمن أحداث تاريخية أخرى أثرت في إدراك الإيرانيين، ويتم الاستشهاد بها واستحضارها من التاريخ في سياق التعامل مع الغرب حالياً، إذ كان لها أثر على تصوراتهم لعلاقات بلادهم بالغرب وأفكارهم حول الاستقلال منذ بدايات القرن الـ19 وأوائل القرن الـ20، فأسهمت في تغذية المشاعر المعادية للنفوذ الأجنبي لدى جميع التيارات الفكرية، إذ كانت هناك أحداث تاريخية عدة قبل حكم الشاه (احتجاجات التبغ والثورة الدستورية)، ثم أزمة محمد مصدق وتأميم النفط أثناء حكم الشاه.
أثناء حكم الشاه محمد رضا بهلوي (1949-1979) حدثت أزمة محمد مصدق وتأميم النفط، وكان مصدق رئيس الوزراء الإيراني في عهد بهلوي خلال الفترة (1951-1953)، واشتهر بقرار تأميم النفط الإيراني وأعلن أن هدف الحركة القومية هو إنهاء الطغيان والتدخل الأجنبي.
كانت دعوة مصدق إلى السيطرة على صناعة النفط الإيراني بدلاً من التدخل البريطاني والروسي، كخطوة لإصلاحات اقتصادية وسياسية، وتتضح تأثيرات هذا القرار بالنظر إلى تداعياته والنتائج المترتبة عليه في ما بعد.
وقع مصدق على مشروع قانون تأميم صناعة النفط ليصبح قانوناً وسرعان ما أدخل قانون التأميم مصدق في صراع مباشر مع الحكومة البريطانية التي كانت تمتلك 50 في المئة من أسهم الشركة، فحاول الشاه التخلص من مصدق لكنه فشل فلجأ إلى الغرب، وكانت بريطانيا المالك الفعلي للنفط الإيراني منذ أن حصلت شركة النفط الأنغلو- إيرانية على حقوقه عام 1912.
تبنى البريطانيون استراتيجية تهدف إلى استعادة سيطرتهم على النفط الإيراني، إما بالضغط على مصدق للتوصل إلى تسوية مواتية أو بإقالته من منصبه، أو تقويض استراتيجية مصدق بزعزعة قاعدة دعمه من خلال فرض عقوبات اقتصادية على إيران وتنفيذ مناورات عسكرية في المنطقة، وبدأت الشركة بالعمل على تباطؤ الإنتاج ومنع الناقلات من تحميل النفط في عبادان، ثم فرضت حصاراً كاملاً انضمت إليه شركات النفط الكبرى الأخرى.
بإغلاق بريطانيا طريق الخليج وضعت ضغوطاً اقتصادية على إيران، وتحركت لدفع الولايات المتحدة إلى إطاحة مصدق، ولجأ البريطانيون إلى واشنطن، وفي ظل التخوف من علاقة الشيوعيين في إيران بالاتحاد السوفياتي واحتمالات تمدد النفوذ السوفياتي فيها وللسيطرة على صناعة النفط في المنطقة، تدخلت واشنطن وتمت إطاحة مصدق.
نجح الانقلاب عام 1953 وتم تعزيز حكم الشاه على مدى الأعوام الـ 26 التالية حتى قيام الثورة في 1979 وشعر الإيرانيون بالإساءة وامتد غضبهم وعدم ثقتهم بالبريطانيين والروس إلى الولايات المتحدة لتواطؤها في الانقلاب، واستغلت الأخيرة هذه الفرصة للاستيلاء على قدر كبير من النفوذ في إيران بما في ذلك الوصول إلى حقول النفط الإيرانية بالحصول على 40 في المئة من أسهم النفط الإيرانية، واحتفظت بريطانيا بنسبة 40 في المئة، لكنها كانت أقل بكثير من نسبة الاحتكار التي كانت تتمتع بها سابقاً.
ظهر كل ذلك في إدراك نخبة النظام الإيراني بعد سقوط الشاه، فقد كانت التصورات حول استغلال القوى الكبرى لإيران وغيرها من الدول ملهمة لخطابات الإمامين الخميني وخامنئي الثورية والخطابات أثناء الثورة.
يمكن أن نضيف إلى العوامل التاريخية سالفة الذكر التي لعبت دوراً في تشكيل إدراك النخبة الإيرانية في إيران، الأزمات التي مرت بها طهران منذ تأسيس النظام بعد الثورة، وكان من نتائجها فرض الغرب الحظر والضغط الاقتصادي الدائمين مثل حظر الأسلحة الذي فرضه الغرب أثناء الحرب الإيرانية- العراقية، ثم توالي العقوبات الاقتصادية مع الإدارات الأميركية المتتابعة.
وأصبح انقلاب مصدق رمزاً للإمبريالية الغربية توظفه النخبة الإيرانية الحالية ليس دعماً لمصدق واحتفاء به إنما رمزية يعمقها النظام للإشارة إلى أن هناك مؤامرة أميركية للتخلص منه.
لقد اعتاد الساسة الإيرانيون خلال الأعوام الأخيرة مقارنة النزاع حول الأنشطة النووية بالنزاع حول تأميم النفط في عهد مصدق، فكثيراً ما يستشهد به الرؤساء السابقون، وأخيراً أشار المرشد الإيراني إلى الحادثة واعتبر أن احتجاجات الحجاب كانت مدعومة من الغرب لتغيير النظام مثلما حدث لحكومة مصدق.