تاريخ إيران الأسير والخلل الموروث
مها محمد الشريف
لم يكن نظام إيران بانتظار مفاجأة جديدة كارثية تضاف إلى أخطائه وتبعات سياسته الإرهابية والتدميرية في المنطقة. مفاجأة توضح حجم التخبط في إدارة شؤون بلاده اقتصادياً واجتماعياً، فإذا كان العالم قد دخل في منعطفات خطيرة بعد جائحة «كورونا» حيث انهار الاقتصاد العالمي في أسوأ كساد منذ عقود طويلة، فإن إيران قد دخلت في متاهة الانقسام بعد التسريبات بين ظريف وجون كيري مبعوث الرئيس الأميركي بايدن لمؤتمر باريس للمناخ وملفات أخرى تتعلق بالصين، واتهم الأعضاء الجمهوريون تحركات كيري الدبلوماسية بأنها «عرّضت حلفاء البلاد للخطر وشجّعت خصومها في النهاية».
فمن خلال تسجيل ملف صوتي لمقابلة كان من المقرر نشرها بعد انتهاء فترة عمل الحكومة الحالية، أشار ظريف إلى تدخلات القائد السابق لفيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، وقال إنه ضحّى بالدبلوماسية من أجل العمليات الميدانية للحرس الثوري: «ضحّيت بالدبلوماسية لصالح ساحة المعركة أكثر مما ضحّيت بساحة المعركة لصالح الدبلوماسية».
وأن «التدخل العسكري في قرارات الحكومة يحدث عندما يكون الوسط العسكري هو مَن يقرر، وعندما يريد الميدان الهيمنة على استراتيجية البلاد، وبإمكانهم اللعب معنا». وقالت وكالة «فارس» إنه «لم يكن خفياً على أحد المواقف واختلافات ظريف مع التوجه العام للثورة الإيرانية»، ووفق هذا الاصطفاف المتناقض يبدو أن التسريبات التي تنكر سياسة القيادة الإيرانية، وضعت نفسها أمام تحديات كبيرة سرعان ما اصطدمت بالواقع المشتعل، حرمها من شرعيتها الجوهرية واستدامتها في توقيع معاهدات دولية بهذا الحجم والأهمية. مما يعني أن ظريف كان يتدخل في عمل وزارة الخارجية وانتقد سياسة خامنئي، وهذا منتهى الانقسام. على الجانب الآخر هو بداية ظهور لأصوات المعارضة الإصلاحية بإيران، خصوصاً خلال وضع اقتصادي سيئ ووبائي صعب وقوميات متناحرة ودولة تحكم بالحديد والنار، لذلك تعد تسريبات ظريف فعلياً ضربة موجعة للصورة التي تحاول إيران تصويرها عن نفسها بأنها متماسكة وقوية.
ومن بين هذه التسريبات ما يشير إلى خلافات «خطيرة» بين ظريف وسليماني، عدّه روحاني تسريباً لشخص أو جماعة «معادية لإيران ومصالح الشعب الوطنية، وتمت سرقة الملف الصوتي من أرشيف الحكومة»، داعياً وزارة الاستخبارات إلى معرفة ملابسات السرقة.
لا أحد ينكر أن انتقادات ظريف لسليماني والحرس الثوري تمثّل تغيّراً جذرياً في موقفه. ففي أكتوبر (تشرين الأول) عام 2017 صرّح ظريف: «أن الإيرانيين اليوم، أولاداً وفتيات ورجالاً ونساءً، كلهم أعضاء في الحرس الثوري الإيراني. يقفون جميعاً بحزم إلى جانب من يحمينا، ويحمي المنطقة بأسرها من العدوان والإرهاب». وسواء كان هذا التغيير نتيجة إصلاح سياسي أو اعتبارات مؤقتة تحتّمها السياسة الداخلية، فإنه نوع ظاهر من التوافق مع سياسة النظام ومتعارض غامض يتطلب مهارة في إدارة التناقض وإخضاعه لمصلحة ظريف وموقفه السياسي وكذلك مؤشر نحو الانقسام.
يسهل علينا الآن أن نفهم كيف يتحدد موقف ظريف من حكومته في تفسير تلك التسريبات، التي سمح بتسريبها، عن طريق الخطأ أو عن قصد، فهذا النظام يصعب تصديقه، وسيظلون يؤكدون في كل لحظة أنهم دعاة حقيقة وشرعية مهما اعتراهم الوهن والضعف، ولن ينتهي اللعب عند تلك النقطة الجغرافية من المنطقة، فقد انطلقت روايات في عدد من البلدان في الغرب والشرق على حد سواء. ففي إسرائيل يقولون إن ظريف يعدّ نفسه لمنصب أستاذ جامعي في إحدى الجامعات الأميركية في الولايات المتحدة، فهل هي إشارة إلى احتمال انفجار الشارع الإيراني مرة أخرى بعد الثورة الخضراء في 2009؟
لقد شهدت طهران في يناير (كانون الثاني) الماضي احتجاجات من المساهمين المتضررين في البورصة الإيرانية، حيث تجمع عدد منهم أمام مبنى البورصة مرددين هتافات مناهضة للحكومة ومسؤولي النظام، وهذا جزء من الأوضاع المتدهورة وعدم الثقة بالحكومة، فالنظام لم يعد يعمل من أجل شعبه وإنما من أجل أهداف توسعية وإشعال الحرب في كل مكان من المنطقة. إلى جانب انفجار الاعتراضات والانتفاضات من تدهور الظروف المعيشية والأمن الوظيفي للعمال الإيرانيين، فضلاً عن قمع النظام المتزايد للنقابات العمالية والعمال المحتجين.
نقلا عن الشرق الأوسط