أهم الأخبارمقالات

العقوبات أو التفاوض مع إيران وفق أي تصور؟

 

بسام البنمحمد

كثيرا ما يسأل صناع القرار والمفكرون الاستراتيجيون في الغرب لماذا لم تنجح العقوبات الاقتصادية في تغيير سلوك النظام الإيراني؟ وكانوا يرددون أننا لا نريد الحرب وهذا الخيار خارج موضوع النقاش، فإن لم تنجح العقوبات ولا نريد الحرب فالحل الأنسب والوحيد من وجهة نظرهم هو التفاوض. وخلف هذا الحل وقع الغرب في فخ الأوهام والأمنيات القائمة على تصورات خاطئة من الأساس لأنها لم تنظر للموضوع بالشكل الصحيح.

ولكي نصل للحل الأنسب واقعيا والقابل للتطبيق يجب أن نعرف كيف يفكر ويعمل النظام الإيراني، لا من منظور النظريات الواقعية للأمن ولا حتى الليبرالية لأنها تبدأ بتحليل إيران كدولة ونظام طبيعي وهذا غير دقيق، إنما كما تتطلب النظرية البنائية الشاملة التي تنظر للهويات والعوامل المحلية والتاريخية بالإضافة للعوامل الإقليمية والدولية، ووفق هذا التصور يجب تحليل إيران ونظامها القائم من منظور الدولة الثورية والتي وفقا لهويتها “الثورية” ترسم سياساتها وأهدافها الخارجية.

فالنظام الإيراني استغل العقوبات الدولية عليه لتعزيز هذه الصورة الثورية من خلال طرح نفسه كضحية “للاستبداد” و”الاستهداف” الشيطاني من قبل الدول الكبرى ومن قبل من يختلف معه من جيرانه، وأن الخلاص للشعب الإيراني يجب أن يكون من خلال التفافهم حول هذا النظام “المستهدف” ودعمه لتحقيق أهدافه “الثورية” مثل نصرة “المستضعفين” ونشر مبادئ ثورته في كل مكان.

وبناء على هذا التصور تبنى النظام الإيراني عددا من الاستراتيجيات والأهداف والتصورات (بناء على هويته الثورية) القائمة على عدد من العناصر الصورية التي سعى لترسيخها في الوجدان الشعبي، وتقع ضمن 8 عناصر وفقا للبروفيسور الإيراني مهدي محمد نيا وتحدد هوية النظام الإيراني وتوجهاته، وهم:

1. منطق المسؤولية، حيث يكلف النظام الإيراني نفسه بقيادة العالم الإسلامي وبالتالي من منظور عقدي يجب أن يتحملوا هذه المسؤولية، وهذا توجه قائم على تحديد الهدف ولا يقوم على المنطق السليم.
2. مواجهة الهيمنة والتغطرس العالمي، حيث يجب على النظام الإيراني حماية العالم من هيمنة القوى الكبرى ويقسم العالم إلى “متغطرسين” و”مستضعفين” يجب عليه حمايتهم ونصرتهم، ومن هذا المنطلق وغيره يبرر تدخله في شؤون الدول الأخرى.
3. الاستقلالية والاكتفاء الذاتي، وعليه يجب عليهم بناء القدرات الذاتية محليا من دون الحاجة للآخرين لكي يصمدوا أمام العقوبات الدولية الواقعة عليهم ولكي يفرضوا شرعيتهم أمام الشعب الإيراني مما زاد جرعة تقسيم العالم إلى “نحن” و”هم”، وهذا المبرر يجعلهم يتمسكون بالبرنامج النووي كمشروع قومي يعطيهم الشرعية التي يحتاجونها.
4. القومية الفارسية، وهذا التصور يعطيهم السياق التاريخي الذي يحتاجونه للحكم محليا وأيضا يبرر لهم وجود مشاريع قومية يعتزون بها وتعطيهم المكانة التي يعتقدون أنها حقهم التاريخي والقومي ولا يوجد لديهم سوى البرنامج النووي، ويعتبر هذا التصور امتدادا لمرحلة الشاه ولكن بصبغة ثورية وبعد أيديولوجي.
5. العدو، وهذا أيضا امتداد لتقسيم العالم وفق أيديولوجية عقدية وأسلوب ثوري يعتاش على وجود عدو متربص بهم ويجب مواجهته، حيث يقول مهدي نيا إنه “من غير العدو الوهمي لن يتمكن قادة البلد من إكمال 80٪ الى 90٪ من خطبهم السياسية”.
6. الوحدة الإسلامية، فهم يعمقون الانقسام ويصدرون صورة العدو المشترك الذي يجب أن نتصدى له تحت قيادتهم ووفق تصورهم ولخدمة مصالحهم!
7. الشهادة والجهاد، ووفق هذا التصور نجح النظام الإيراني في إعطاء غطاء ديني لكل مشاريعه الإقليمية وسياساته الخارجية، فخلق منظومة لتصدير العقيدة القتالية التي تخدمه وتروج لأهدافه الخارجية سواء عبر تأسيس حزب الله وبقية الميليشيات المقاتلة خارج حدودها أو الحرس الثوري محليا.
8. العدالة، ومن خلال هذا التصور يحاول النظام الإيراني أن يعطي سياساته وأهدافه الخارجية غطاء أخلاقيا وهميا يبرر من خلاله سياساته وتدخلاته ومشاريعه الإقليمية والدولية، فالنظام الإيراني يصور لشعبه أنه يجب أن يدعم الميليشيات “المستضعفة” وأن يتوسع في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرهم ليحقق العدالة، وأن ينصر المظلوم وفق تصوراته ومصالحه.

لذلك نجد أن النظام الإيراني لا يسعى لاسترضاء الغرب للحصول على مكاسب محددة إنما يسعى لرسم تصورات تعطيه الغطاء المحلي للحكم سواء كانت وفق سياق تاريخي أو قومي أو ديني، فمنطلقاته محلية وليست دولية، وهذا ينسف المبدأ الغربي للتفاوض معه على أسس غير واقعية ويوضح سلوكه الثوري في محاولات التوسع ونشر الفوضى والتدخل في شؤون الدول ليستمر في الحكم محليا، ولا يجب أن نتوهم أن قبوله بالحصول على مكاسب من خلال التفاوض على أنه تغيير في السلوك أو الأهداف لأن ذلك يعني نهاية شرعيته المحلية للحكم وتخليا عن أركانه التي يرتكز عليها.

وبناء على هذه التصورات التي خلقها النظام الإيراني واستخدمها لوضع استراتيجياته وأهدافه الخارجية، أوجد الأدوات التي تعينه على تنفيذها ووظف العقوبات الدولية لتعزيز صورته وفرض شرعيته للحكم محليا، ومن أهم الأدوات التي أوجدها النظام الإيراني لتحقيق أهدافه الخارجية هو تأسيس كيانات غير تابعة للدول أو ما يطلق عليهم non state actors في غالبهم ميليشيات مسلحة أو أحزاب سياسية وغيرهم من كيانات مدعومة من النظام الإيراني وتعمل وفق أوامره ومصالحه وأجنداته فتتحمل الدول التي توجد فيها هذه الكيانات التابعة لهم تبعات تصرفاتهم من غير أن يتحمل النظام الإيراني المسؤولية المباشرة لتصرفات هذه الكيانات، والتي من ضمن بعض أعمالها اختطاف الأجانب ومن ثم يتدخل النظام الإيراني ويتبرع بالدخول كوسيط محايد مقابل حصوله على مكاسب أو تنازلات دولية، أو استخدامهم للقيام بالعمليات الإرهابية والتفجيرات والاغتيالات أيضا من دون أن يتحمل النظام الإيراني تبعات والمسؤولية المباشرة عن هذه الجرائم. أو تشجيع بعض هذه الكيانات للقيام بأعمال تخريبية وتعطيل التنمية في دولها من أجل القيام بثورات انقلابية والوصول للحكم في هذه الدول أو الحصول على موقع سياسي مؤثر ومهيمن على صنع القرار وبالتالي تدور هذه الدول في فلك النظام الإيراني ومصالحه.

لذلك لن تنفع العقوبات الاقتصادية وحدها طالما لم تتم محاسبة النظام الإيراني بشكل مباشر وجعله يتحمل مسؤولية هذه الكيانات وتصرفاتها. فالنظام الإيراني يستخدم سياسات الغرب الموجهة ضده لفرض نفسه على الشعب الإيراني وليعزز استمراره القسري في الحكم.

إنما إن أرادوا الحصول على نتائج إيجابية تغير من سلوك النظام الإيراني، فيجب أن تتزامن العقوبات الاقتصادية على النظام مع تحميله المسؤولية المباشرة لأي تصرفات تقوم بها الكيانات المدعومة من قبله، وأن تعطل المنظومة الترويجية التي يستخدمها للترويج للهوية الثورية والتصورات العقدية التي يوظفها محليا وإقليميا لتحقيق أهداف سياساته الخارجية، وكل ذلك وفق تصور صحيح لطبيعة النظام الإيراني وحقيقة أهدافه.

 

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى