أهم الأخبارمقالات

الرئيس اللبناني المستحيل

طوني فرنسيس

أرغم الانقسام الحاد الكونغرس الأميركي على عقد 15 جولة تصويت لإنجاز انتخاب رئيس له. ونجح المجلس الذي يهيمن عليه الجمهوريون خلال أربعة أيام في إنجاز مهمته وتثبيت الجمهوري كيفن مكارثي بمنصب الرئيس، وهو الموقع الثالث في الدولة بعد رئيس الدولة ونائبه بفارق أربعة أصوات فقط عن منافسه الديمقراطي حكيم جيفري.

كانت تلك مهمة مجلس النواب الأميركي الأساسية بعد الانتخابات النصفية الذي انكب على إتمامها ونجح في ذلك على رغم ممانعة عدد من ممثلي الحزب الجمهوري التصويت لمرشح حزبهم.

انقضى الأمر في واشنطن، أما في لبنان، فيبدو الأمر بعيداً، ليس مجلس النواب اللبناني الكونغرس الأميركي، ولا نانسي بيلوسي الديمقراطية هي نبيه بري وريث حركة “أمل” وحليف “حزب الله” العامل بإرادة المرشد الإيراني، لذلك لن تتكرر أعجوبة الأيام الأربعة بجلساتها الـ15 في ساحة النجمة البيروتية، كما حصل على تلال الكابيتول.

اجتمع المجلس النيابي اللبناني 10 مرات تحت عنوان انتخاب الرئيس منذ شغور المنصب في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وتكرر المشهد نفسه في كل مرة عبر عملية أثبتت عزم المجلس بقيادة رئيسه والتحالف الذي ينتمي إليه على عدم إنجاز المهمة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية إلا في حال القبول بمرشح محدد يضع مواصفاته فريق الممانعة الذي يعتبر إيران مرجعتيه والجنرال قاسم سليماني قائده ورمزه الأعلى.

حصل ذلك في السابق عندما تمكن هذا الفريق من فرض مرشحه إثر عامين من الشغور وأكثر من 40 جلسة انتخاب شكلية، وفي الحال الراهنة يتكرر الأمر عينه في ظروف أسوأ بكثير.

اتفقت التقييمات الدولية على أن ما جرى في لبنان منذ ثلاثة أعوام هو ثالث أكبر كارثة انهيار مالي واقتصادي عبر تاريخ العالم منذ قرن ونصف القرن. وفي التقييمات نفسها أن انفجار مرفأ بيروت هو ثالث أكبر انفجار غير نووي يصيب العالم منذ غارة هيروشيما.

لبنان ينفرد من بين دول العالم بأنه يحتوي على دولتين وجيشين في آن واحد، يشاطره العراق في هذه الميزة، قبله كانت لاوس آخر دول منظومة الحرب الباردة التي تتمتع بهذه الصفة، هذا إذا استثنينا كولومبيا وجيشها الثوري (فارك) المتخصص حتى وقت قريب في القتل والخطف والمخدرات ومحاربة الإمبريالية.

لم تغفل التقييمات العالمية جانباً أساسياً من أسباب المعاناة اللبنانية، جميع الذين تحدثوا في الموضوع حملوا المسؤولية لأهل السلطة السياسية والاقتصادية والمالية، فاتهموهم بافتعال الفساد والانهيار والاستفادة منهما، ووصل الأمر إلى حد وصفهم بـ”سلطة احتلال” وشن مسؤولون من دول العالم حملات مباشرة على الطاقم الحاكم وصولاً إلى الدعوة لتغييره.

لكن الطاقم، بقيادته الممانعة، يواصل سياسته بثقة ومن دون أن يرف له جفن، في الانتخابات الرئاسية ربما يقارن نفسه بالكونغرس الأميركي في تجربته انتخاب رئيس له، وربما يسعى إلى تقليد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في سعيه إلى جمع كتل متناقضة بهدف البقاء في سدة الحكم، أو يستلهم تجربة الانتصار على مقتدى الصدر في العراق وكيف أن غالبية نيابية جرى شطبها لمصلحة جماعة “الحشد الشعبي”.

تمت آخر جلسات مجلس النواب اللبناني لاختيار الرئيس في 15 من الشهر الماضي ومنع الاجتماع من إكمال مهمته بفعل فقدان النصاب، كما في كل جلسة، ومنذ ذلك الحين لم يعاود المجلس الالتئام لإنجاز مهمته وجرى الانتقال من عام إلى آخر على وقع الفراغ واشتداد الأزمات وأبرز معالمها المباشرة الانهيار المفجع للعملة الوطنية والانقطاع الشامل للتيار الكهربائي.

لم تجر محاولة واحدة طوال أسابيع للخروج من المأزق الرئاسي أو من الأزمات المعيشية، واصل “حزب الله” سياسته على الطريقة الإيرانية في القول إنه يريد وفاقاً (كما في تصريحات إيران تجاه دول الخليج)، وبلغ به الأمر حد الإعلان أن ليس هناك تباين في الموقف بينه والبطريرك الماروني الذي على العكس منه يتمسك بالدولة الشرعية وتحييد لبنان، وصولاً إلى الجزم بأن لا تأثير للخارج في مسار الشؤون الداخلية اللبنانية بما فيها انتخابات الرئاسة.

قول “حزب الله” بعدم تأثير الخارج هو محاولة لنفي التدخل الإيراني الذي يمارس عبره من جهة، واستباق لمساع دولية أخرى من أجل تسوية في لبنان تعيد إليه بعضاً من توازنه.

بين هذه المساعي اجتماع مرتقب أميركي- فرنسي- سعودي في باريس لمتابعة موقف الدول الثلاث المعلن من لبنان في بيانات سابقة معروفة.

ينتظر النواب والساسة العاجزون حلولاً من باريس بعد أن أعيتهم حواجز الممانعة وحسابات الزعماء الخاصة، لكن النتيجة الوحيدة المتوقعة ستكون مواصلة التحرك في دائرة العجز وصولاً إلى استسلام سهل لخيارات يرسمها الحزب المهيمن، كما في عام 2016.

لا خروج في الأفق من الأزمة لأن صانعيها يتمسكون بمواقعهم ومواقفهم التي قادت البلاد إلى الفساد والكساد والانفجار والانهيار وانحلال الدولة في عملية واعية ومدروسة على مدى سنوات، جديرة أن تروى في كتاب أو شريط وثائقي.

تصلح تلك العملية لأن تكون فيلماً سينمائياً خارقاً لا يحتاج إنجازه إلى أكثر من رواية أحداثه بلسان فاعليها، في هوليوود (2019) كان أغلى الأفلام كلفة فيلم Avengers Endgame ، بحيث بلغت موازنة إنتاجه 400 مليون دولار، إلا أن إيراداته بلغت 4 مليارات دولار.

فيلم الانهيار اللبناني بلغت كلفه 100 مليار دولار حصدها أبطاله الذين يتربعون على سلطة الفساد والميليشيات ولا يعطون بالاً لإيرادات شباك التذاكر، فهو ملكهم منذ الانتخابات النيابية التي أعادت تثبيتهم وممثليهم في سلطة الفساد وإلغاء الدولة.

نقلا عن اندبندنت عربية

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى