
الرئيس الأمريكي ترامب.. ودول الخليج
عبدالله بشارة
يعود الرئيس ترامب الى رئاسة الولايات المتحدة محمولاً بانتصار ساحق غير متوقع أوصله الى البيت الأبيض منتشياً بحجم النجاح، مشحوناً بجدول أعمال مكتظ بطموحاته الواسعة التي تشمل السهل والممكن كما تضم المرغوب فيه والصعب المنال، ولا جدال في أن تمنياته الواسعة جاءت بوحي الفوز الكاسح الذي قدمه الشعب الامريكي له والذي فاق جميع التوقعات.
ولا شك بأن حجم الانتصار أثار مخاوف المجتمع العالمي في جميع قضاياه لأن الرئيس ترامب لا يسير وفق خريطة المنطق ولا يذعن للتقاليد، ويتعامل مع قضايا العالم وفق قناعته في طرح الافكار والحلول التي يريدها لمعالجة هذه القضايا العالمية، كما أن الرئيس ترامب ليس من الذين يسيرون وفق الآليات المعتادة لحل المشاكل فله عالمه الخاص فلا يعبأ بالتحليلات أو جودة النصيحة أو وضوح المنطق وعقلانية المسار لأنه يتحرك بشعور ذاتي بقدرته على فك الطلاسم وتصغير العقبات وتقريب التباعدات مسنوداً بما تملكه الولايات المتحدة من قوة جبارة في جميع المجالات، وفوق ذلك يطرح مقترحات للحلفاء وللخصوم تتعارض مع حياديته كوسيط ويتخذ مواقف يلتزمها كعلاج للمشاكل التي يتفاوض حولها غير مكترث بشرعيتها أو قانونيتها ويصر على تخفيف الاثقال التي تتحملها الولايات المتحدة لتأمين الاستقرار العالمي مما يثير مخاوف أوروبا وحلف الناتو والاصدقاء في آسيا ويلتفت الى وضع «اسرائيل» وصراعها مع العرب فيرسم وصفات معقدة لحلول يراها ممكنة معتمداً في ذلك على القوة الامريكية الجبارة وعلى قناعاته الشخصية التي رسخت في ذهنه بسبب قبول البحرين والامارات والسودان والمغرب الوصفة التي اقترحها في المبادرة الابراهيمية.
ويعود الآن مجدداً عزمه على الاستمرار في تحريك الدور الذي يقوم به للتوصل الى نهاية مقبولة للعلاقات بين «إسرائيل» والمملكة العربية السعودية، والعراق وسوريا ومن بقى من دول مجلس التعاون. ولا شك بأن الرئيس ترامب يشعر في هذه المرحلة بأن حلول السلمية في الظروف الاخيرة تأتي وسط بيئة تختلف عن مساعي الماضي فلها نصيب كبير من النجاح، وهناك أسباب عدة تحمله على التفاؤل.
أولاً: لا شك بأن إدارة الرئيس ترامب رصدت التبدلات الكبيرة التي مست الأوضاع في العالم العربي، فاختفى نظام الأسد في سوريا وجاء نظام جديد منفتح ومتقبل لمبادرات تزيل التعقيدات التي تعيشها سوريا والتي ورثتها من نظام الاسد كما شهد العراق تحولات في الموقف السياسي العراقي تجاه قضايا الاقليم ومن هذه التحولات تولدت بيئة مرنة في واقعيتها وقادرة على الانسجام مع المساعي الجهود السلام التي يتبناه الرئيس ترامب فلا يتواجد في المنطقة من يعادي المساعي لحل مقبول للقضية الفلسطنية.
ثانياً: حصلت تغيرات خلال الاشهر الماضية تولدت من الحرب الاسرائيلية على غزة وشعبها وملاحقتها لمجموعة «حماس» ونجاحها في إقصاء قوات «حزب الله» من جنوبي لبنان بعد ان قضت على قيادة الحزب ودمرت قواعده وأنهت تواجده على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية.
ثالثاً: نجحت «إسرائيل» في القضاء على التواجد العسكري الإيراني في سوريا الذي خسر أكبر حليف ممثلاً في نظام الأسد الذي اختفى منها نهائياً وبرزت قوة معتدلة متوازنة في مسارها مع التوجه الإقليمي العام ومع إختفاء الوجود الايراني في كل لبنان وسوريا وتراجع مكانته في العراق تصاعدت فرص التقبل لحلول سلمية مقبولة من قبل سوريا، ولبنان، والعراق.
رابعاً: من الواضح أن الرئيس ترامب يركز في آماله بالنجاح على دور المملكة العربية السعودية وانضمامها الى المبادرة الإبراهيمية، وهنا لا بد أن يدرك الرئيس ترامب مسببات امتناع المملكة عن الانضمام للمبادرة، فقد طرحت المملكة العربية السعودية مبادرة شاملة تدعو الى قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة مقابل الاعتراف الجماعي بدولة اسرائيل، والحقيقة أن موقف المملكة العربية السعودية يمثل الموقف العربي العام فمن دون دولة فلسطينية لن تستقر المنطقة وسيستمر الاضطراب وستتولد جماعات متطرفة وسيكبر الإرهاب وتعم الفوضى.
خامساً: لا بد من التأكيد على واقع دول مجلس التعاون ودورها في الحفاظ على الأمن العالمي وتحصين الواقع الاقتصادي الدولي، فهذه الدول تتحمل مسؤولية ضخ الطاقة بالحجم الذي تحتاجه الأسرة العالمية وبأسعار مقبولة، وتستند في دبلوماسيتها إلى إداركها بأنها تملك سلعة نادرة يحتاجها العالم ليواصل مسيرته ومن دونها يطغى الارتباك وينهار الأمن ويضيع السلام، كما تدرك دول مجلس التعاون بأن دورها في السلم العالمي يلزمها الاعتدال ليس في التعامل مع الطاقة فقط بل مع قضايا العالم بشكل عام، لم تتجاهل دول المجلس واجبها في المشاركة بقضايا التنمية العالمية عبر تواجدها بدعم مشاريع الاقتصادية، والاجتماعية، والتعليمية في الدول النامية، وبانتظام يعكس إيمانها بضرورات المساهمة في تحقيق الاهداف التي تسعى لها الدول النامية.
سادساً: تظل القناعة العربية بما فيها الخليجية غير واثقة بالتزام الرئيس ترامب الأسس التي تساعد في تهدئة الاوضاع في الاراضي المحتلة وفي المنطقة، فموقفه يتسم بالتعاطف والتأييد لإسرائيل، مستذكرين دعمه لضم القدس والمرتفعات السورية إلى اسرائيل غير مبالٍ باعتراضات العرب وغيرهم من الساعين لحل مقبول يرضى الطرفين، ولا يمكن الاطمئنان بأنه سيدعم قرارات مجلس الأمن ويسعى لتنفيذها.
سابعاً: هناك فرق كبير بين واقع أمريكا في الاقليم العربي في الفترة الحالية حيث وقعت تحولات في سوريا ولبنان والعراق وفي مجلس التعاون زادت من التواجد الامريكي مقارنة بما كان حجم هذا التواجد عندما كان ترامب رئيساً للولايات المتحدة قبل اربع سنوات خلال رئاسته الأولى، فالعلاقات الخليجية الأمريكية تضخمت وتنوعت وعبرت من فصل المتانة الى فصل الشراكة الاستراتيجية، ولن يتجاهل الرئيس ترامب هذا الواقع بل سيوظفه لمصلحة الأهداف التي يريد الوصول اليها.
ثامناً: المطلوب من الرئيس ترامب لتحقيق النجاح حول أهدافه في تحقيق السلام هو تسخير كل طاقاته لإقناع اسرائيل بقبول وإقامة دولة فلسطينية في الضفة وغزة فمن دون دولة تعبر عن إرادة فلسطينية لن يتحقق السلام في المنطقة، ويبقى هذا الملف متحدياً جميع الاجتهادات والمبادرات وسيظل الملف أكبر العقبات وستبقى المنطقة بجميع أعضائها بما فيها ملف الدولة الفلسطينية في انتظار مساعٍ جديدة جدية تحقق للشعب الفلسطيني حقه في دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة.
تاسعاً: سيفوز الرئيس ترامب في توفير الحل إذا اقتنع وبعمق، بضرورة إقامة الدولة الفلسطينية في غزة والضفة، وسيخسر إذا تجاهل هذه الضرورة.
نقلا عن “القبس”