أهم الأخبارتقارير

الحصن الزائف؛الأمن الإيراني بين الواقع والخيال

 

شهدت إيران خلال السنوات الأخيرة سلسلة من الاختراقات الأمنية والاضطرابات الداخلية والخارجية التي تعكس هشاشة واضحة في بنيتها الاستخباراتية والأمنية والعسكرية. من مصرع مسؤولين رفيعي المستوى، إلى تفجيرات في منشآت استراتيجية، وعمليات اغتيال دقيقة داخل أراضيها، وتعرضها لهجمات سيبرانية متكررة، تظهر مجموعة من الثغرات التي تهدد استقرار النظام الإيراني على المدى البعيد.

أولًا: مصرع الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان في 19 مايو 2024، لقي الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي مصرعه في حادث تحطم مروحية بمحافظة أذربيجان الشرقية، إلى جانب وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان وعدد من المسؤولين. أفاد التقرير الرسمي الإيراني أن الحادث نجم عن سوء الأحوال الجوية، غير أن الحادث أثار انتقادات واسعة لضعف أسطول الطيران الإيراني، الذي يعاني من التهالك نتيجة العقوبات ومنع استيراد قطع الغيار. كشفت هذه الحادثة ضعف الإجراءات الوقائية لحماية الشخصيات الكبرى في الدولة، وعدم وجود خطط طوارئ بديلة.

ثانيًا: تفجيرات جمبرون – ميناء استراتيجي تحت التهديد في مايو 2025، وقعت سلسلة من التفجيرات داخل ميناء جمبرون، أحد أهم الموانئ على الخليج العربي. وأسفرت الهجمات عن تدمير أجزاء من البنية التحتية للميناء وتوقف مؤقت في حركة الشحن. تشير التحقيقات إلى أن التفجيرات نفذتها عناصر مدربة باستخدام مواد شديدة الانفجار، ما يرجح احتمال اختراق أمني كبير في الأجهزة البحرية واللوجستية.

ثالثًا: اغتيال إسماعيل هنية في طهران – فشل استخباراتي داخلي في أغسطس 2024، قُتل إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس، خلال زيارة سرية لطهران، في حي يخضع لحماية الحرس الثوري. كشفت هذه العملية عن اختراق خطير للأجهزة الأمنية، خصوصًا في ظل التعتيم الإعلامي. يُعتقد أن جهازًا أجنبيًا نفذ العملية، مما أدى إلى حملة اعتقالات داخلية طالت ضباطًا كبارًا.

رابعًا: الهجمات السيبرانية – جبهة حرب مفتوحة منذ 2010، تعرضت إيران لهجمات سيبرانية كبرى، بدأت بفيروس Stuxnet الذي عطّل آلاف أجهزة الطرد المركزي في منشأة نطنز. لاحقًا، توالت هجمات ببرمجيات خبيثة مثل Flame وDuqu. في السنوات الأخيرة، تعرضت قواعد بيانات حكومية ومؤسسات إعلامية ومصرفية إلى اختراقات متكررة. تشير التقديرات إلى أكثر من 1400 محاولة اختراق ناجحة بين 2020 و2024، بمعدل 28 شهريًا، ما يكشف هشاشة البنية الرقمية.

خامسًا: الاحتجاجات الداخلية والقمع – تآكل السيطرة الأمنية منذ 2009، اندلعت موجات احتجاجات واسعة في إيران، بدأت بالحركة الخضراء التي أعقبت الانتخابات الرئاسية وشهدت مشاركة ملايين المحتجين في طهران ومدن كبرى. لاحقًا، جاءت احتجاجات 2017، و2019 التي اندلعت بسبب رفع أسعار البنزين، وأسفرت عن مقتل أكثر من 1500 شخص في أيام قليلة. في 2022، انفجرت الاحتجاجات مجددًا بعد مقتل مهسا أميني، وامتدت إلى كافة المحافظات. كما اندلعت انتفاضات في إقليم الأحواز، أبرزها احتجاجات معشور، واحتجاجات في كردستان وسيستان وبلوشستان بسبب الجفاف والتهميش الاقتصادي. يُضاف إلى ذلك انتفاضة الشعب الأحوازي في عام 2005، والتي جاءت رفضًا لمحاولات تغيير التركيبة السكانية في الإقليم وتقليص الهوية العربية، وأسفرت عن سقوط عشرات الشهداء واعتقال الآلاف، وهي من أوائل التحركات التحررية التي كشفت عن تصاعد الغضب ضد المحتل.

ورغم القمع والإعدامات، يواجه النظام تآكلًا في شرعيته وتزايد الانشقاقات داخل الأجهزة الأمنية. وترافق هذا مع تصاعد حركات الكفاح المسلح في الأطراف، حيث شهدت مناطق مثل بلوشستان، وكردستان، والأحواز عمليات عسكرية متكررة ضد مقرات الحرس الثوري والباسيج. في بلوشستان، نفذت جماعات مسلحة كمجموعة «جيش العدل» هجمات نوعية استهدفت نقاط تفتيش، مما أدى إلى مقتل وإصابة عشرات الجنود. وفي كردستان، تصاعدت هجمات حزب الحياة الحرة الكردستاني (PJAK)، بينما شنت قوات النظام حملات عسكرية واسعة لكنها لم تؤدِ إلى حسم نهائي. أما في الأحواز، فقد تزايدت عمليات استهداف أنابيب النفط ومقرات الأمن، مما دفع النظام إلى تعزيز الوجود العسكري دون تحقيق استقرار فعلي.

سادسًا: تضارب الأجهزة الأمنية وتفكك القيادة تتوزع المهام الأمنية بين وزارة الاستخبارات، الحرس الثوري، الباسيج، والأمن الرئاسي، ما يؤدي إلى تضارب صلاحيات ونقص التنسيق. أُحبطت عمليات أو فشلت بسبب صراعات داخلية. وتفيد تقارير بأن نحو 27% من القيادات الأمنية خضعت لتحقيقات داخلية بين 2018–2023.
لجوء اكبري نائب وزير الدفاع إلى بريطانيا

سابعًا: العرض العسكري في الأحواز – هجوم نوعي في سبتمبر 2018، تعرّض عرض عسكري في الأحواز لهجوم مسلح أدى إلى مقتل وجرح العشرات من عناصر الحرس الثوري.وقع الهجوم رغم الإجراءات الأمنية المشددة، ما كشف عن اختراق داخلي كبير. أسفر الهجوم عن مقتل 25 شخصًا وإصابة أكثر من 60.

ثامنًا: استهداف شاهجراغ – ضرب الحوزات الشيعية في أكتوبر 2022، وقع هجوم على مرقد شاهجراغ في شيراز، وأدى إلى مقتل العشرات من الزوار، بينهم أطفال ونساء. تبنّى تنظيم متطرف الهجوم، ما أثار تساؤلات حول عودة الخلايا النائمة وفشل السلطات في حماية المزارات الدينية.

تاسعًا: الهجمات الإسرائيلية – كشف هشاشة الدفاعات الإيرانية نفذت إسرائيل عمليات نوعية داخل إيران، أبرزها اغتيال محسن فخري زاده في 2020 واردشیر حسین بورومجید شهریاری ومصطفی احمدی روشن ومسعود علی محمدی، وداریوش رضایی‌نجاد، وهجمات على منشآت نووية في أصفهان وطهران.سرقة أرشيف البرنامج النووي من طهران (2018)تفجيرات منشأة نطنز النووية (2020 و2021) هذه العمليات تؤكد هشاشة الدفاعات الإيرانية وفشل الحماية الاستخباراتية رغم القدرات المعلنة. تشير التقديرات إلى أكثر من 30 عملية سرية نفذتها إسرائيل منذ 2010.

عاشرًا: عمليات التخريب الخارجية وإفشال المهام في 2025، تم إحباط مؤامرة لاستهداف السفارة الإسرائيلية في لندن بتخطيط من وحدة تابعة لفيلق القدس. كما جرى تصفية عدد كبير من القادة الميدانيين في سوريا والعراق ولبنان بضربات دقيقة، دون رد فاعل، مما يشير إلى ضعف شبكات إيران الاستخباراتية الخارجية.

حادي عشر: اغتيال الضباط والقضاة – تصفية النخبة الأمنية والقضائية شهدت إيران على مدار العقدين الماضيين عمليات اغتيال استهدفت ضباطًا كبارًا في الحرس الثوري والجيش، أبرزهم علي صياد شيرازي، نائب قائد أركان الجيش، الذي اغتيل في 1999 أمام منزله بطهران، في واحدة من أكثر العمليات دقة. فضلا عن مصرع قاسم سليماني قائد فيلق القدس كما تم استهداف قضاة كبار من الجهاز القضائي الإيراني، بعضهم معروف بتشدده في إصدار أحكام الإعدام ضد المعارضين السياسيين، مثل مقيسة ورازيني من أكبر قضاة القضاء الأعلى الإيراني. عمليات الاغتيال هذه لم تتوقف، بل تصاعدت وتيرتها بين 2010 و2024، ما يدل على أن المنظومة القضائية والعسكرية ليست بمنأى عن الاستهداف.

رغم كل الصورة التي يروّج لها النظام الإيراني لنفسه كقوة أمنية خارقة و«بعبع» إقليمي لا يُخترق، إلا أن التجربة تُثبت أن اختراق هذا الجهاز، مهما بدا متماسكًا في الإعلام والدعاية الرسمية، هو أمر ممكن بل وسهل نسبيًا. ذلك مشروط بأن يتحلى الفاعل بأبسط القواعد الأمنية، ويطوّر أدواته وأساليبه بشكل دائم ليتفادى الأضرار ويعزز فعالية عملياته. فضعف التنسيق، والتضارب الداخلي، وسوء التحديث التكنولوجي يجعل النظام عرضة للاختراق من جهات محلية وخارجية على حد سواء.

وجدير بالذكر أن عناصر كثيرة من المخابرات الإيرانية هي مشهورة بتورطها بالفساد وضعف النفس والمساومة لاسيما بتجارة المخدرات والسلاح وأخذ الرشوة وهذا ما يجعل الخرق وتسرب المعلومات أمرا سهلا.

تشير هذه الأحداث إلى ثغرات هيكلية عميقة في النظام الأمني الإيراني، تتراوح بين التخبط الاستخباراتي والضعف التكنولوجي والانقسام داخل المؤسسات والفساد. استمرار هذه الثغرات يجعل النظام عرضة لانهيارات أمنية أكبر، سواء عبر الانتفاضات الداخلية أو عبر الهجمات الخارجية النوعية او العمالة لصالح الأطراف الأخرى.

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى