
التهجير والإهمال: الألغام في الأحواز تبرز سياسة الاحتلال الإيراني
في ذكرى مئوية احتلال الأحواز، لازالت الأحواز تعاني من زراعة الألغام بعد مرور ما يقرب من 37 عاما منذ انتهاء الحرب بين إيران والعراق”1980-1988″ على الحرب بين إيران والعراق، والتي تشكل خطرا كبيرا على الأحوازيين، بالإضافة إلى إهمال وتقاعس متعمد من سلطات الاحتلال الإيراني في إزالة الألغام ضمن مخططات تهجير الأحوازيين.
وبحسب تقارير الأمم المتحدة، لا يزال هناك 16 مليون لغم أرضي منتشرة على مساحة 4.2 مليون هكتار على طول الحدود العراقية الأحوازية.
ويقع ثلث هذه الألغام في الأحواز، وتؤثر على مناطق حدودية مثل الحميدية، البستان، الحويزة، سوس، ودكة عباس، والمحمرة، وعبادان. وهذا يعني أن نحو 100 ألف لغم أرضي مزروعة في الأحواز، أي ما يعادل 16 مليون لغم.
وحتى الآن، لم تف سلطات الاحتلال الإيراني بالتزاماتها بإزالة هذه الألغام الأرضية أو تبذل ما يكفي من الجهد لرفع مستوى الوعي بشأن المخاطر التي تشكلها الألغام المتبقية على المناطق الفقيرة والنامية على طول الحدود الإيرانية. ويشكل رفع مستوى الوعي جزءا أساسيا من تصحيح المشكلة، ولابد من التعامل معه بجدية بالغة.
ومع ذلك، تركت جراح ذلك العقد المرير من الحرب لتتفاقم، من قبل سلطات الاحتلال الإيراني، التي استغلت ثروة المقاطعة من الموارد الطبيعية دون الاستثمار بكفاءة في تنميتها، وهي حقيقة يدركها سكانها بوضوح.
ونتيجة لذلك، في الأحواز اليوم، تتجلى خطوط الصدع الأكثر إثارة للقلق بشكل حاد. على الرغم من كونها واحدة من أغنى المناطق بالموارد، إلا أنها تعاني من التدهور البيئي، مما يقلل من إمدادات المياه، والتي أثار ندرة الاحتجاجات في منتصف عام 2021؛ عدم الرضا الاجتماعي والسياسي الذي يعكس رفضا واسع النطاق، واضحا في جميع أنحاء البلاد، لسوء إدارة الدولة والفساد؛ عدم اليقين الاقتصادي والبطالة؛ الاستياء المشوب بالعرق بين سكانها العرب الكبار؛ وفوق كل ذلك، هناك إهمال حكومي رغم التعهدات المتكررة بمعالجة المشاكل المتزايدة.
وقد ألحقت هذه المأساة المستمرة الضرر بحياة عدد لا يحصى من الأحوازيين، حيث كان العديد من الذين أصيبوا أو قتلوا بسبب الألغام من الأطفال والشباب.
ومثل هذه الحوادث المأساوية منتظمة إلى حد أنها أصبحت روتينية، وخاصة في المناطق المحيطة بالحدود، حيث يقع الأطفال الأبرياء في كثير من الأحيان ضحايا أثناء اللعب بالقرب من الحقول الزراعية أو في المناطق المفتوحة حول منازلهم.
لقد خدمت الكارثة التي أطلقتها الحرب المطولة كسلاح قوي للنظام الإيراني، مما مكنه من تهجير آلاف عديدة من العرب الأحوازيين من أراضيهم؛ ومع وصول الصراع إلى ذروته الشرسة، أصبحت المدن التي مزقتها الحرب مثل عبادان والمحمرة والبسيتين والمناطق الريفية القريبة من الحدود والتي تعرضت لدمار واسع النطاق مهجورة تقريبا.
لقد هاجر سكان الأحواز من ديارهم الريفية إلى المناطق الوسطى من إيران. ونتيجة لهذا، تم إسكات جزء كبير من المجتمع الأحوازي وعامل حاسم في مقاومة الأحواز للاستعمار ضد الاحتلال الإيراني، وخاصة في مدينة المحمرة.
بعد الحرب، تبنت سلطات الاحتلال سياسات إقصائية مماثلة ضد شعب الأحواز، ومنعت تخصيص أي ميزانية لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة في المناطق التي مزقتها الحرب، وخاصة في مدينتي عبادان والمحمرة، وبهذه الطريقة، نجحت في إحباط أي إمكانية لعودة شعب الأحواز المنفي إلى وطنه.
وهكذا كانت سلطات الاحتلال الإيراني رائدة في الجغرافيا السياسية المعاصرة في الشرق الأوسط في إجراء تغيير ديموغرافي هائل، والاستيلاء على أراضي الأحوازيين.
وكما هي العادة، من خلال “برنامج إعادة التوطين”، سعى النظام إلى جعل المناطق التي مزقتها الحرب والتي تم إجلاء سكانها العرب الأحوازيين بالكامل تقريبا أثناء الصراع غير صالحة للسكن كذريعة لمنع أو تثبيط عودة الآلاف من الأحوازيين.
ولم يقم النظام بإعادة بناء أي من المنازل أو القرى أو البلدات المدمرة أو إصلاح البنية الأساسية في هذه المناطق، وخاصة تلك الموجودة في منطقة الحدود، وبدلا من ذلك أعلنها مناطق عسكرية محظورة وطوق المناطق بالأسلاك الشائكة والدوريات العسكرية، وتركها فارغة حتى يومنا هذا.
وتم نقل الآلاف من الأحوازيين من هذه المناطق الريفية الذين أجبروا على الفرار إلى مدن عشوائية ومناطق مهمشة حول مدينة الأحواز وإلى مدن وبلدات أخرى خارج الأحواز.
وبينما انتظر هؤلاء المهجرون سنوات طويلة للعودة إلى قراهم وأراضيهم، متمسكين بالاعتقاد بأنهم قادرون على العودة إلى ديارهم بعد نهاية الحرب في عام 1988، تلاشت هذه الآمال بشكل مطرد وتحولت إلى سراب.