الأمير محمد بن سلمان .. خمسة مبادئ ورسالة
السيـــــــد زهـــــــره
الحوار المطول الذي أجرته مجلة «أتلانتيك» الأمريكية مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، حوار ثري وله أهمية بالغة. الحوار تطرق إلى قضايا كثيرة، فكل ما قاله الأمير محمد بن سلمان بخصوص هذه القضايا يستحق التوقف عنده مطولا ومناقشته.
لعل من أهم القضايا التي تطرق إليها الأمير محمد بن سلمان في الحوار قضية العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة الأمريكية حاضرا ومستقبلا.
حين تطرق إلى القضية تحدث بشكل هادئ، وكان واضحا وحاسما إلى أقصى حد.
الذي يتأمل ما قاله الأمير محمد بن سلمان بهذا الخصوص سيجد أنه حدد خمسة مبادئ حاسمة وحاكمة للعلاقات مع أمريكا، هي على النحو التالي:
أولا: أن السعودية لها مصالحها، والولايات المتحدة لها مصالحها. أمريكا هي التي تحدد طبيعة وماهية مصالحها، ونحن أيضا الذين نحدد مصالحنا.
بعبارة أدق، ليس من حق أمريكا أن تحدد لنا مصالحنا ولا كيف نحميها أو ندافع عنها.
ثانيا: أن السعودية ليست دولة صغيرة. السعودية دولة كبيرة فهي من ضمن دول مجموعة العشرين، وأسرع البلدان نموًّا في العالم، مما يدفعنا إلى التساؤل، أين تكمن الإمكانيات العالمية؟ إنها في المملكة العربية السعودية.
واضح أن الأمير محمد بن سلمان يريد أن يقول هنا إن المصالح الأمريكية الحقيقية تكمن في استغلال فرص الإمكانيات الهائلة التي تتيحها العلاقات مع السعودية. أما إذا أرادت أمريكا تفويت هذه الفرص فهذا شأنها، لكن كما قال «إذا أردت تفويتها، فهناك أشخاص آخرون في الشرق سيكونون سعداء للغاية».
مفهوم بالطبع ما يريد أن يقوله. إذا كانت أمريكا لا تقدر مكانة السعودية والقيمة الكبرى لتوثيق العلاقات معها والاستفادة من ذلك، فإن هناك دولا وقوى كثيرة في آسيا مثل الصين وروسيا تعرف ذلك وتقدره ومستعدة لتطوير علاقاتها مع السعودية إلى أقصى حد.
ثالثا: أنه إذا كانت أمريكا لا تقدر مكانة السعودية وقيمة العلاقات معها فليس مفهوما على الإطلاق أن تحاول «صد» الآخرين.
الذي أجرى الحوار سأل الأمير محمد بن سلمان، ماذا تعني بصدهم، قال له: فقط تقبل الأمر على ظاهره.
لكن الذي يقصده واضح وقد سبق أن كتبنا عن هذه القضية. في الوقت الذي تتخذ فيه أمريكا موقفا سلبيا من السعودية، فإنها تريد أن تحول دون توثيق علاقاتها مع دول مثل الصين وروسيا. وهذا أمر غير مفهوم وغير مقبول بالطبع.
رابعا: أنه من حيث المبدأ وبشكل عام في كل الأحوال، ليس لأحد الحق في التدخل في الشؤون الداخلية للسعودية. قال الأمير محمد بن سلمان: «هذا الأمر يخصنا نحن السعوديين، ولا أحد يستطيع فعل شيء حيال ذلك». يرتبط بهذا إدراك أن الضغوط مرفوضة ولا جدوى منها، فقد ثبت كما قال إن «ممارسة الضغوط لم تجد نفعًا على مدى التاريخ، ولن تجدي نفعًا».
خامسا: أنه من حيث المبدأ أيضا، فإن العلاقات يجب أن تكون قائمة على قاعدة الاحترام المتبادل وعلى قاعدة احترام الخصوصية الثقافية والاجتماعية والسياسية. شرح الأمير محمد بن سلمان ما يقصده هنا بالضبط بالقول: «في المملكة العربية السعودية، نحن نتقبل ثقافتكم في أمريكا، ونتقبل طريقة تفكيركم، ونتقبل كل شيء في دولتكم؛ لأن هذا الأمر عائد لكم، ونتمنى أن تتم معاملتنا بنفس الطريقة، فنحن نختلف مع الكثير من الأشياء التي تؤمنون بها، لكننا نحترمها، فليس لدينا الحق في وعظكم في أمريكا، بغض النظر عما إذا كنا نتفق معكم أو لا، والأمر نفسه ينطبق علينا.. نحن نختار التغييرات التي نعتقد أننا -كسعوديين- نشعر بالثقة فيها، بناءً على ثقافتنا ومعتقداتنا في المملكة العربية السعودية».
كما نرى، هذه مبادئ خمسة واضحة وحاسمة حددها الأمير محمد بن سلمان من المفروض أن تحكم العلاقات الأمريكية السعودية.
ووراء تحديد هذه المبادئ رسالة واضحة وجهها إلى أمريكا وعبر عنها بالقول: «المصالح واضحة، والأمر يعود إليكم سواء كنتَ تريد الفوز بالسعودية أو الخسارة».
الرسالة هي بعبارة أخرى أن السعودية حريصة على العلاقات مع أمريكا، ولكن على قاعدة الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، والسعودية وحدها هي التي تحدد مصالحها وطبيعة وحدود علاقاتها مع مختلف دول العالم.
الرسالة هي أنه في كل الأحوال وأيا كان ما تفكر فيه أمريكا، فليس مقبولا التدخل في الشؤون الداخلية أو التفكير في ممارسة أي ضغوط. وليس مقبولا عدم احترام الخصوصية السعودية.
أخبار الخليج