الأسد يستبق الاضطرابات قبل أن تكبر وتنتشر
حايد حايد
بلغت الاحتجاجات في محافظة السويداء الواقعة جنوب سوريا أسبوعها الخامس. ووصل عدد المتظاهرين إلى الآلاف، وهو ما يعتبر إقبالا مدهشا في منطقة ذات أغلبية درزية.
وانطلقت المظاهرات بصفتها صرخة ضد خفض دعم الوقود، لكنها سرعان ما تحولت إلى حركة سياسية أوسع، طالب المتظاهرون فيها بإسقاط حكومة الرئيس بشار الأسد.
وامتنع النظام عن اعتماد القبضة الحديدية في السويداء. واتخذ بذلك نهجا مختلفا عن الذي اتبعه في 2011، حين تصاعدت حملة القمع الوحشية التي شنها الأسد على احتجاجات الربيع العربي وحولتها إلى أكثر من عقد من الصراع. ويدرك النظام كون سكان السويداء مسلحين جيدا وأن عدد الدروز الديموغرافي كبير، مما جعل تبني إستراتيجية تصعيد العنف مقتصرا على مناطق أخرى لمنع الاحتجاجات من الانتشار خارج السيطرة.
وفرضت القوات العسكرية والأمنية حصارا على المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة سابقا في حلب وريف دمشق بالإضافة إلى اعتقال الأصوات المعارضة. وتساعد هذه الإجراءات الاستباقية في تفسير الغياب شبه الكامل للتظاهرات في مناطق أخرى، رغم الغضب واسع النطاق الناتج عن تدهور الوضع الاقتصادي.
لقد ظلت السويداء تحت سيطرة النظام طوال الحرب الأهلية التي دامت 12 عاما في البلاد، لكن مجموعات مسلحة محلية انبثقت لحماية مجتمعاتها من التهديدات، بما في ذلك تلك التي يشكلها النظام. وتعدّ المجتمعات المحلية في السويداء مسلحة جيدا، كما تجمعها روابط اجتماعية ودينية قوية. وأثبتت هذه الروابط فعاليتها تاريخيا في حل الخلافات بسرعة والحشد ضد الأعداء الخارجيين.
ولا تبرز أي تنازلات مُقترحة للمحتجين في السويداء، مما يزيد المخاوف من لجوء قوات الأمن السورية إلى القمع. وأصيب ثلاثة أشخاص عندما أطلقت أعيرة نارية على المتظاهرين في 13 سبتمبر، حسبما نقل نشطاء وصحافيون محليون. ولم يتسنّ التأكد بعد من هوية مطلق النار على المتظاهرين، لكن العنف لم يمنع احتجاج ما يقدر بنحو 3500 إلى 4 آلاف شخص في 15 سبتمبر.
ويدرك النظام خطر استخدام القوة لقمع الاحتجاجات الذي من شأنه أن يحول المظاهرات السلمية إلى حركة مقاومة مسلحة واسعة النطاق، تمتد إلى خارج المحافظة. ولا تهدد احتجاجات السويداء بقاء الأسد حاليا على الرغم من أهميتها الرمزية في تقويض سلطته، لطبيعتها السلمية ولموقع المحافظة البعيد.
ويبدو أن النظام يتبع إستراتيجية طويلة المدى بدلا من التصعيد. وقد خفضت دمشق الخدمات الحكومية بشكل كبير، مما أضاف تحديات كبيرة إلى الحياة اليومية للسكان. ويأمل النظام أن يسبب العبء المتزايد في النهاية الإرهاق أو الانقسام، بما قد يُخمد الاحتجاجات.
وفي نفس الوقت، يبدو أن النظام قد حول تركيزه الأساسي نحو احتواء الاحتجاجات داخل السويداء. وفرضت القوات العسكرية والأجهزة الأمنية حواجز على عدة مناطق في ريف دمشق لتحقيق هذا الهدف. ويحفل سجلّ المناطق القريبة من السويداء بتاريخ من التمرد. ويهدف النظام من جهته إلى القمع الاستباقي لأي تحركات معارضة بتطويقه المدن والبلدات التي يتوقع أن تشهد تحركات الشوارع.
ولوحظ هذا التكتيك في البداية في 24 أغسطس في وادي بردى، حيث واجهت عدة قرى، بما في ذلك دير قانون ودير مقرن وكفر الزيت وسوق وادي بردى والحسينية، هذه الإجراءات بعد يوم واحد فقط من دعوات العصيان المدني والإضراب العام. ونشر النظام تعزيزات عسكرية، شملت رشاشات ثقيلة ومدفعية ودبابات، وهدد باقتحام القرى، قائلا إن خلايا من داعش تتمركز فيها.
واستخدم النظام نهج العصا والجزرة الذي أصبح مألوفا. ومُنح الأفراد المطلوبون لدى النظام خيار المشاركة في عملية “المصالحة” مقابل الامتناع عن الأعمال التصعيدية ضدهم أو ضد بلداتهم. واعتُمدت هذه الإستراتيجية التي تشمل التدابير القسرية والتصالحية بدرجات متفاوتة في مناطق أخرى، بما في ذلك كناكر وزاكية وبابيلا. وتختلف الشروط المحددة لهذه “المصالحات” من منطقة إلى أخرى، لكنها تخدم كلها هدف تعزيز سيطرة النظام على المناطق المصنفة على أنها “ساخنة” أو “غير آمنة” لمنع انتشار الاحتجاجات. كما كثفت القوات الأمنية دورياتها وأقامت نقاط تفتيش في مدن أخرى محيطة بالعاصمة، مثل يلدا وقدسيا، ردا على توزيع منشورات مناهضة للنظام.
كما تفيد التقارير أن النظام يعمل على إقامة طوق أمني من خلال نشر نقاط التفتيش حول شرق حلب بشمال البلاد. وشهدت هذه المنطقة مؤخرا احتجاجات ضد الأسد، ويُذكر أنها عارضت النظام بشدة في ذروة الحرب الأهلية. وأثار هذا مخاوف بشأن احتمال تجدد الصراع في المنطقة. وورد أن الفروع الأمنية في المدينة تلقت تعليمات بحشد الميليشيات لمعالجة هذا الوضع، وأن الاعتقالات شملت أكثر من 100 شخص في حلب بتهم تتعلق بالمشاركة في المظاهرات أو انتقاد النظام.
وأفادت التقارير القادمة من محافظتي اللاذقية وطرطوس أن الدعوات للتظاهر سببت زيادة في وجود النظام الأمني في الشوارع. وقيل إن النظام اعتقل حوالي 70 شخصا حتى الآن لمنع أي احتجاجات في المناطق التي تعتبر معاقله.
ويبقى أن نرى ما إذا كان نهج النظام سيمكنه من الصمود في وجه موجة الاحتجاجات المستمرة. لكن الوضع الحالي يسلط الضوء على نقطة حرجة، فمن غير المرجح أن تمنع الخسائر السوريين من التظاهر مرة أخرى إذا لم يتمكنوا من إعالة أسرهم، حتى بعد المعاناة الهائلة التي شهدوها طوال الحرب الأهلية. ومن المرجح أن تستمر موجات جديدة من الاضطرابات إلى حين تنفيذ تغيير جوهري.