أهم الأخبارمقالات

استراتيجية “الأخطبوط” الإيراني واستراتيجية “العنكبوت” الإسرائيلي

رفيق خوري

ليس بين إيران وإسرائيل، حتى إشعار آخر، سوى أنواع من “حرب الظل”: اغتيالات، تدمير أسلحة، خروقات أمنية واستخباراتية، وتهديدات مرتفعة اللهجة، لكن اقتراب جمهورية الملالي من القدرة على صنع قنبلة نووية يدفع إسرائيل إلى التلويح بحرب شاملة، تعرف أنها صعبة وبالغة التكلفة حالياً، ومستحيلة بعد القنبلة. ويدفع ذلك طهران طبعاً إلى المبالغة في التهديد بإزالة الدولة العبرية. أما إدارة الرئيس جو بايدن، فإنها تستعجل العودة إلى الاتفاق النووي بحجة أنه الأداة الوحيدة لوقف المسار النووي العسكري الإيراني، من دون أن تتوقف أمام ثلاثة اعتبارات: أولها، رفض الكونغرس العودة إلى الاتفاق الذي يراه السيناتور الديمقراطي البارز في لجنة الشؤون الخارجية، بوب مننديز، “ليس في مصلحة الولايات المتحدة الاستراتيجية”. وثانيها، اهتمامات الحلفاء في الشرق الأوسط الذين يرون أن توسع النفوذ الإيراني بالاعتماد على ميليشيات مذهبية أخطر من القنبلة. وثالثها، أن طهران التي راوغت في الماضي، قادرة على المراوغة والغش والسير سراً في المشروع النووي العسكري بعد الاتفاق.

وليس سراً أن إسرائيل عاجزة عن خوض حرب شاملة، مهما ادّعت العكس، من دون أميركا التي يصعب أن تتورط. وليس سراً أيضاً أن جمهورية الملالي تبني سياستها، كما يقول الخبير الأميركي الإيراني الأصل في “كارنيغي”، كريم سادجادبور، على عمودين “مواجهة أميركا وإسرائيل، واستخدام ثلاث أيديولوجيات هي ضد الإمبريالية، المذهبية الشيعية، والوطنية الإيرانية”. والأولوية حتى اليوم، هي للمواجهة بالوكالة عند إيران، ولضرب وكلاء إيران في المنطقة عند إسرائيل. وليس في تاريخ النفوذ في الشرق الأوسط قوة إقليمية أو دولية لعبت على الطريقة الإيرانية. فما فعلته إيران منذ البدء، وتحت شعار العمل لقضية فلسطين، هو إقامة ميليشيات أيديولوجية مذهبية في العراق وسوريا ولبنان وتسليح ميليشيات الحوثي في اليمن، وتسليح “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في غزة، وكلها تحت إشراف “فيلق القدس”. وهذه الميليشيات التي أهمها “حزب الله” في لبنان، وفصائل “الحشد الشعبي” في العراق، والحوثيون في اليمن، و”زينبيون” من باكستان، و”فاطميون” من أفغانستان، هي التي تتولى المواجهة مع أميركا وإسرائيل بنوع من حرب العصابات بالصواريخ التي تؤذي بلد الانطلاق بالرد الإسرائيلي أكثر مما تؤذي إسرائيل.

أخيراً، يبدو أن تغييراً مهماً حدث في اللعبة. حكومة نفتالي بينيت أعلنت أن إسرائيل تبنت استراتيجية “الأخطبوط” رداً على استراتيجية إيران المسماة “خيوط العنكبوت”. إسرائيل التي تضرب أطراف الأخطبوط الإيراني خارج إيران، ولا سيما في سوريا، وأحياناً داخلها، تقول بلسان بينيت، “إن عصر حصانة إيران في الحرب بالوكالة انتهى”، والتوجه حالياً إلى ضرب “رأس الأخطبوط” في الداخل. وتكرر جمهورية الملالي التهديد بألسنة قادة في “الحرس الثوري” بما كان يردده الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد عن “إزالة إسرائيل من فوق الخريطة”. وهي ترى أن إسرائيل أصبحت “أوهى من خيوط العنكبوت”، بحيث تسقط بضربة واحدة. وبعد أن قال قائد “الحرس الثوري”، إن طهران صارت قادرة على “إزالة إسرائيل خلال سبع دقائق ونصف الدقيقة، لكننا ننتظر أوامر المرشد الأعلى”، عاد قائد آخر إلى تخفيف المبالغة، فاكتفى بـ”محو حيفا وتل أبيب من الوجود”. ولا معلومات مؤكدة عما كشف عنه اللواء محمد علي جعفري حول عمليات إيرانية داخل إسرائيل، لكن المؤكد أن طهران لم ترد عملياً على كل الغارات الإسرائيلية على قواتها وأسلحتها ووكلائها في سوريا.

أما على الأرض العربية، وفي أماكن أخرى في العالم، فإن أذرع الأخطبوط هي التي تقوم بالعمل المباشر في ما تسميه واشنطن “زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط”. لا، بل إن الجانب الآخر في أخطار النفوذ الإقليمي الإيراني هو التغلغل في النسيج الاجتماعي في عديد من البلدان العربية و”عسكرة” أقليات مذهبية حاملة طموحات معلنة لحكم الأكثرية ضمن مشروع إيران الإقليمي. وهو أيضاً تحويل بلدان مثل لبنان والعراق وسوريا إلى منصات صواريخ في جبهات أمامية للدفاع عن الملالي. وهذا هو الواقع على الأرض. أما استراتيجية “الأخطبوط” واستراتيجية “العنكبوت”، فإنهما على شاشات الكومبيوتر، لا أكثر. واللعبة طويلة.

 

اندبندنت عربية

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى