إيران والخيار الكوري الشمالي
خيرالله خيرالله
ثمّة إشارات عدّة تشير إلى أن “الجمهورية الإسلامية” الإيرانية اعتمدت الخيار الكوري الشمالي. مختصر هذا الخيار أن نظاما قمعيا مرفوضا من شعبه يستطيع الاحتماء خلف السلاح النووي من أجل ضمان بقائه.
تحتاج إيران إلى الوقت كي تفرض واقعا جديدا يتمثّل في امتلاك السلاح النووي. من هذا المنطلق، يمكن فهم التأخير في العودة إلى التفاوض في شأن الملفّ النووي على الرغم من الرغبة الأميركية في ذلك. قدمت إدارة جو بايدن كلّ التسهيلات المطلوبة من أجل العودة بطريقة أو بأخرى إلى الاتفاق الذي وقّعته إيران صيف العام 2015 مع مجموعة الخمسة زائدا واحدا. صحيح أن الإدارة الأميركية مصرة على بعض التعديلات على نص الاتفاق الذي مزقه دونالد ترامب في أيار – مايو 2018، لكنّ الصحيح أيضا أنّ مجرّد إصرار “الجمهورية الإسلامية” على التمسك بشروطها دليل على أنها مهتمة قبل كلّ شيء بكسب الوقت. تحتاج إلى الوقت من أجل تطوير السلاح النووي وتحويله إلى أمر واقع في المنطقة التي سيكون عليها التعايش مع إيران النووية.
هناك خيار آخر أمام إيران، هو خيار التحول إلى دولة طبيعية، خصوصا أن كوريا الشمالية نفسها، بقيادة كيم جونغ أون، تعيد النظر في نظامها الفاشل. هذا النظام الذي وضع أسسه جده كيم إل سونغ. تبحث كوريا الشماليّة حاليا عن كيفية الخروج من أسر النظام الستاليني الذي قيّدها، بغية الانفتاح على العالم… وإن نسبيا وضمن حدود معيّنة.
إلى أيّ حد ستذهب إيران في خيارها الذي تحاول فرضه على المنطقة والعالم؟ من الواضح أنّ لا حدود لما يمكن أن تذهب إليه مستعينة بأوراقها الإقليميّة. تستعين إيران بالعراق ولبنان واليمن وسوريا حيث أوجدت واقعا جديدا على الأرض يتمثّل في تغيير التركيبة السكانيّة لـ”الجمهورية العربية السورية”، من منطلق مذهبي. ثمّة تركيبة سكانية مختلفة في هذا البلد الواقع تحت خمسة احتلالات.
تصعّد إيران في كلّ الاتجاهات وتعمل في الوقت ذاته على الاستحواذ على السلاح النووي. سيكون السؤال الذي سيطرح نفسه يوميا في المرحلة المقبلة مرتبطا بأفق السياسة الإيرانية التي لم تؤد إلى اليوم سوى إلى تفريغ البلد من أفضل الناس فيه. الإيرانيون من أصحاب الكفاءات والفكر المنفتح هاجروا من إيران بعد رفضهم العيش في ظلّ النظام الذي أسس له آية الله الخميني الذي فرض نظرية “الولي الفقيه” التي تجعل من “المرشد” صاحب كلّ السلطات في البلد والقائد المعصوم.
لا أفق للسياسة الإيرانية، لا في إيران نفسها ولا في المنطقة. لا يستطيع السلاح النووي إيجاد أفق جديد يكون بديلا من اقتصاد قابل للحياة. كلّ ما في الأمر أنّ هناك نظاما يعتقد أن تصدير أزماته إلى خارج حدوده يضمن بقاءه في السلطة… بحماية القنبلة النووية.
نجح النظام الإيراني في البقاء حيّا منذ العام 1979 بمساعدة أميركية. بلغت هذه المساعدة ذروتها في عهد جورج بوش الابن الذي سلّم العراق إلى إيران على صحن من فضّة في العام 2003. أعطت إدارة بوش الابن دفعا للمشروع التوسّعي الإيراني انطلاقا من العراق الذي صمد في الحرب الطويلة التي استمرّت بين 1980 و1988، وهي حرب كلّفت المنطقة الكثير.
لا يوجد في واشنطن في الوقت الراهن من يدرك خطورة المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة، خصوصا إذا صارت هناك قنبلة نووية تحميه. هناك إدارة ترفض الاعتراف بأنّ أخطر ما حصل منذ العام 2015، لدى توقيع الاتفاق في شأن الملف النووي الإيراني بين “الجمهورية الإسلامية” ومجموعة البلدان الخمسة زائدا واحدا، يتمثّل في تطوير إيران لعدائيتها لمحيطها المباشر وغير المباشر من جهة وتطوير ترسانتها من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة من جهة أخرى.
في حال بقي الضياع متحكما بالإدارة الأميركية، ليس مستبعدا أن تشهد المنطقة مزيدا من الخراب والدمار والبؤس في ظلّ “الجمهورية الإسلامية” النووية. فكلّما مرّ يوم يزداد الشعور بأنّ إدارة بايدن لا تريد السماع بالشرق الأوسط والخليج. على دول المنطقة تدبّر أمرها بنفسها في مرحلة الغياب والضياع الأميركيين. يجسد الغياب والضياع الموقف من اليمن حيث يحقّق الحوثيون، أي إيران، تقدّما على جبهة الحديدة. يعني ذلك بكلّ بساطة أن الإدارة الأميركية مستعدة للاعتراف بأن إيران موجودة على البحر الأحمر وأن الأمر لا يقتصر على السماح بتحول اليمن الشمالي قاعدة صواريخ إيرانية ومصدر تهديد يومي للأمن السعودي والخليجي…
ما الذي تريده الإدارة الأميركية التي تبدو مستعدة للذهاب في مسايرة إيران إلى أبعد حدود من منطلق أنّ لديها هموما أخرى من بينها الوضع الداخلي والتحدي الذي تمثّله الصين؟
ثمّة ما يدعو إلى القلق الشديد في ضوء انسحاب أميركا من أفغانستان بالطريقة التي انسحبت بها غير آبهة بمصير المواطنين الأفغان الذين أعادتهم “طالبان” إلى العيش في ظلّ نظام لا علاقة له من قريب أو من بعيد بأيّ قيم حضارية في هذا العالم. يبدو مصير المواطن الأفغاني آخر همّ لدى الإدارة الأميركية. ما ينطبق على المواطن الأفغاني ينطبق أيضا على المواطن الإيراني نفسه وعلى المواطن العراقي والسوري واللبناني… واليمني الذي يعيش في ظلّ ما يفرضه الحوثيون من قيم بالية وبائسة على مساحة واسعة من اليمن، بما في ذلك مدينة ذات تاريخ عريق اسمها صنعاء!
يبقى أن الخيار الكوري الشمالي ليس خيارا قابلا للحياة في المستقبل بعيد المدى. هذا عائد إلى سببين. الأوّل أن حصول إيران على السلاح النووي سيعني دخول المنطقة سباقا في هذا المجال. ماذا ستفعل تركيا؟ ماذا ستفعل مصر؟ ماذا ستفعل المملكة العربية السعودية؟ ماذا ستفعل دول أخرى ستشعر بمزيد من التهديد الإيراني؟
أما السبب الثاني، فهو كامن في أن القنبلة النووية لا تبني اقتصادا. لو كانت القنبلة النووية والصواريخ، بكل أنواعها، تبني مثل هذا الاقتصاد المتطور، لما انهار الاتحاد السوفييتي…
هل في إيران من يريد أن يتعلّم من تجارب الآخرين؟
العرب اللندنية